هَلْ يُعاني الذّوقُ العامُّ من التّدَنِّي؟

منصة 2024/05/26
...

 إحسان العسكري


من الممكن أن تحدد الخيارات الشخصيَّة هويتنا، لسهولة معرفة تفكير أي شخص عبرها، وبهذا نتمكن من معرفة بنيَة أي مجتمع على وفق اختيارات مشاهيره أو عاداته التي اختلقها تحت  ظرف ما.

لقد كان المطرب المصري هاني شاكر رئيساً لنقابة الفنانين قبل أشهر، وكما هو معروف عنه وبما حددته اختياراته محترماً لنفسه وفنه، ويقف حائلاً بين المجتمع والتدهور الفني.

فشرع بمنع وصول المغنين الذين يستخدمون مفردات بذيئة وألحان سيئة من ممارسة نشاطاتهم في المسارح والقنوات الفضائية والتلفزيون الرسمي ودار الأوبرا، بل ومنعهم حتى من التواصل مع فنانين كبار من اعضاء النقابة، لنجد أن شهرة ومكانة الفنان محمد رمضان وأمواله وجمهوره لم تقف حائلاً بين هاني شاكر وقراراته، والنتيجة هي رفض أمثاله رسمياً ووسطياً غاية في التقليل من تأثيرهم السلبي على المجتمع.

قيل إن هاني شاكر أضاف للبسطاء من الشعب المصري عبئاً فوق أعباء الحكومات التي سحقتهم، والحقيقة أنه كان يحاول انتشالهم من ضياعٍ مركب إلى ضياع جزئي "باعتبار هذا الضياع واقع حال" وقف الشعب المصري مع نقيب الفنانين ولم يشن عليه هجوماً ولم يصفه أحد بأنه رجعي أو متخلّف سوى بعض الرافضين لتوجهاته من أنصاف المطربين أُولئك وسماسرتهم والمنتفعين منهم. 

ولكن ما حدث أن العراق كان أول دولة تستضيف محمد رمضان بعد قرار منعه في مصر، وقد حضر للرقص عارياً على مسارح نوادي بغداد واستعراض نفسه عبر سلوكيات وحركات غير لائقة، ثم ماذا بعد ذلك؟ جمهور حفلته كان منهم من العوائل والأفراد حتى أن موقف تقبيل رمضان ليد إحدى اللواتي يستخدمن تطبيق "التيك توك" لتقديم محتوى هابط نوعا ما.

حدد من استدعى محمد رمضان ليرقص في العراق خيارات المجتمع الذي يتقبّل هكذا انتكاسات، فقد تقبّل في ما سبق بعض الأغاني التي تحوي كلمات غير لائقة مثل "طر طّيره، خالتك، صمون 10 بـ 1000" وغيرها من ملوثات سمعيّة تضخّمت واتّسعت حتى أصبحت وباءً اجتماعياً أصيب به عدد ليس بالقليل من البسطاء، ساعد على ذلك الإعلام غير الهادف عبر بعض الإعلاميات والإعلاميين وصلوا عبر التنازلات لشاشات بعض الفضائيات، كما صرّحوا في "لقاءاتهم المتلفزة المستفزة". إعلاميون يستضيفون ما يطلق عليه الفاشنستات والراقصات للحديث عن عمليات تجميل أجسادهن وتجاربهن الشخصيّة، فمرة تعترف إعلاميّة بتسلّمها بيتاً كهدية من سياسي، وسيارة فارهة وغير ذلك، بينما تتحدث أخرى عبر تقديم مسابقة رمضانيّة بطريقة غير أخلاقيّة وغير ذلك من سلوكيات تبتعد عن الذوق العام والأخلاق. 

وربما تعود هذه الأفعال والانفلات الأخلاقي إلى افتتاح قنوات فضائية واستقطاب ما يمكن من شخصيات غير مناسبة للعمل على شاشاتها، فضلاً عن دور الشهرة السريعة والمال المجهول، لتكون النتيجة فضائح جنسيَّة وشخصيَّة تشغل الرأي العام، وهذا الأمر لا يتوقف عند الإعلام، بل يتعداهُ للوسط الفني عبر إدخال شخصيَّات لا دخلَ لها بهذا العالم للعمل في الدراما التلفزيونيَّة.

فأضافت للإسفاف والتدني تدهوراً فوق تدهوره بينما لم توضح نقابة الفنانين بشكل جدي تجاه  ما يجري.  

الآن بفضل الدراما العراقية صار من لم تجرؤ على إهانة زوجها تشجّعت، ومن لم يخطر بباله قتل أخيه فكّر ونفذ، بفضل بعض الأفكار التي تطرح عبر تلك الواجهات، لم تنتج بعض هذه القنوات شيئاً ذا قيمة تُذكر فهي تتنقل ما بين شرعنة استهتار أخلاقي وفساد لمختلف أفراد العائلة، بل راحت تسرح وتمرح حتى دمرت تفكير كل عين بسيطة وقعت عليها، واعتبرت كل ما تفعله رسالة فنيَّة للمجتمع بينما في دولة مصر التي منعت محمد رمضان من التقافز في الحفلات أُعيد النظر بقانون الوصاية بناءً على مسلسل لعبت دور البطولة فيه منى زكي. 

لا أُقارن هنا شيئاً بشيء فقد تناولت سابقا الأثر السلبي لبعض الأعمال المصريَّة واللبنانيَّة على مجتمعنا ولكن من حيث الفكرة، فالفرق شاسع بين دراما تؤذي المجتمع وأخرى تنقذه.

الأذيَّة عبر الأفكار المطروحة أخطر ما يتعرّض له المجتمع المحافظ، إذ إن خياراته تتحول إلى وبالٍ عليه وتشتت تركيزه وتتشعّب فيه الجمهرة، فبين مقلّد للسخف وبين رافض يقف متفرّجاً ومنتقد مهدَّد من قبل عشائر هؤلاء، والقانون الذي لا يفرق بينهم وبين المحترم الذي يريد أن يحافظ عليه، لتكتمل هنا معادلة الخراب.