{كاهي وگيمر} العيد

آراء 2019/06/09
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
في الليلة ماقبل الاخيرة من رمضان، كنت ومجموعة من الاصدقاء نتناول طعام السحور في احد مطاعم العاصمة بغداد، فبقينا هناك الى ساعات الفجر الاولى، وعند العودة الى البيت، كنّا نشاهد  الشوارع وهي تضجّ بالحركة الكثيفة، فيما كانت المحال التجاربة التي بقيت فاتحة ابوابها، تشهد اقبالا كبيرا من قبل الاسر البغدادية لشراء متطلبات العيد، التي تشمل الملابس والحلويات وسواها..واستمرت، بغداد من دون ان تغمض عيونها حتى نهار العيد  الاول، الذي شهدت فيه اسعار “الكاهي والگيمر العراقي” ارتفاعا ملحوظا في معدلاتها، نتيجة الطلب الكبير، فكان الرجال يصطفون بفرح، امام بائعات القيمر، ليحصلوا على حاجتهم، ولم يراعِ البغداديون، وهم يتناولون “الكاهي والگيمر” مشاكل الدهون وارتفاع الكوريسترول والسكري والضغط، مؤمنين بنظرية (الفرح يقيك المرض)! .. ومما لاشك فيه ان مشهد (الفرح والكاهي والقيمر) الذي  شهدته العاصمة بغداد، كان مشهدا عاما، في جميع محافظات العراق، حتى محافظة كركوك التي حاول الاشرار سرقة فرحتها بالعيد عندما فجروا عددا من العبوات في ليلها الهادي الوادع، فقد تسامت على جراحها، وصنع الكركوكيون فرحتهم التي يريدون ..
في اليوم الاول للعيد، كانت لي رحلة مع العائلة الى محافظتي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف، استمرت يومين، لزيارة بعض الاقارب، فضلا، عن اداء مراسم الزيارة للمشاهد المقدسة في المحافظتين، وعلى مدى اليومين، وانا أنتقل من مكان الى آخر، كنت اشاهد معالم الفرح واضحة المعالم في وجوه الكبار، الذين يشاركون الصغار فرحهم العارم، كان الشعور بالامن والاستقرار ، شاهدا على حركة الناس وفرحتهم، التي اخذت اشكالا وصورا شتى، فالبعض توجه لزيارة المراقد المقدسة، واخرون، ذهبوا لزيارة الاقارب، فيما شهدت الاماكن المفتوحة والحدائق العامة والمتنزهات حفلات شواء، اذ ملأت رائحة “التكة”، ودخان “الكباب” العراقي، الارجاء .. ليس هذا وحسب، انما حتى الذين قصدوا وادي السلام في النجف الاشرف، او وادي كربلاء، للسلام على احبتهم الذين غاردوا، شهداء من اجل الوطن، كنت اشعر بامهاتهم الثكلاوات، وهنَّ يخاطبنهم، بلغة عراقية تفيض وطنية، قل نظيرها، وكأنهن يخبرنهم، ان الوطن بفضل دمائكم ظل شامخاً، مثل نخيله وجباله، فناموا ايها الابطال  بسلام، قريري العيون ..وما يمكن للمراقب هنا، وهو يتابع تفاصيل المشهد العراقي، الضاج بفرح العيد، ان يؤشر جملة من الحقائق، من بينها، ان الوطن تجاوز النسبة الاكبر من المحنة، وهو اليوم على اعتاب مرحلة جديدة، عنوانها صناعة الحياة ‘ وهي الحقيقة الاكثر وضوحا، فلطالما برع العراقيون في هذه الصناعة، عبر كرنفالات الفرح العفوية في الاعياد، وثمة حقيقة اخرى مهمة، وهي ان مايشهده العراق من وضع جديد، شعبي واجتماعي، يؤكد، سلامة اللحمة الوطنية، والعراقيون قادرون على معالجة مواطن الخلل التي اصابت تلك اللحمة، ويمكن ان نشير  ايضا الى قضية اخرى ترتبط بالوضع الاقتصادي، وهو ان المستوى المعيشي للاسرة العراقية، بدأ يتحسن بعد ازمة خانقة خلال سنوات خلت، بدليل، انتعاش السياحة، واكتظاظ الساحات العامة والاماكن الترفيهية والمطاعم والمولات، حتى يُخيل اليك، ان الناس جميعا خرجوا بقضهم وقضيضهم من بيوتهم، ليعيشوا لحظات الفرح العراقي الجميل، في اجواء جميلة، يسودها شعور ايجابي عام لدى الناس، يختلف عن السنوات الماضية، وهو الاحساس بالامن، والاستقرار ..وفي ظل هذه الاجواء العامرة بالايجابية، يبقى “الكاهي والگيمر”، هو العلامة الفارقة التي تمهر فرحنا في هذا العيد، وكل عيد ..كل عيد والعراق يحلق في اجواء الفرح والسعادة، وهو يصنع الحياة، بطريقته الخاصة . وقطعاً،  ان صناعة الحياة، بحاجة الى مسارات تحدد  اتجاهات تلك الصناعة، ومثل هذه المسارات، يمكن تحقيقها، عبر رؤية وطنية، يتفقدعليها الجميع ..