عامر جليل ابراهيم تصوير: اعلام الأمانة العامة للمزارات الشيعية
تبقى مدينة كربلاء المقدسة منارا ومحط أنظار المسلمين من جميع أنحاء العالم الإسلامي لما تحمله أرضها الطيبة من تراث أصيل، ففضلا عن موروثها الروحي المتجسد في ضريح أبي الشهداء الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام)، والأقمار المنيرة من شهداء آل البيت عليهم السلام وأصحابهم الميامين، فقد سكنها ودُفن فيها الكثير من العلماء والصالحين الذين خلدهم التاريخ واحتفظت بمراقدهم هذه الأرض المقدسة. ومن هذه المراقد مرقد الامام نوح بن دراج صاحب الامامين الصادقين عليهم السلام.
(الصباح) وضمن سعيها التعريف بالأماكن السياحية والدينية زارت هذا المرقد الشريف والتقت الباحث والخطيب سماحة الشيخ عقيل الحمداني ليحدثنا قائلاً: يعد مرقد الامام نوح أحد مزارات كربلاء المهمة الذي يقع في الجهة الشرقية من مدينة كربلاء على بعد 15كم من حرم الامام الحسين عليه السلام وهو من المزارات القديمة في مدينة كربلاء المقدسة، ولفظ امام
نوح هو لفظ أطلقه العامة عليه لأنه بعقيدتنا أننا لا نطلق لفظ الإمام إلا على الائمة الاثني عشر عليهم السلام.
القاضي
ينسب إلى أبي ايوب نوح ابن دراج النخعي هذا الرجل المعروف في زمن العباسيين، الذي كان من أصحاب الإمام الصادق ومن أصحاب الأمام الكاظم عليهما السلام، واشتهر كثيراً في زمن الدولة العباسية، لأنه تولى القضاء في بغداد ـ منطقة الشرقية، وتولى القضاء ايضا بأمر هارون العباسي، إذ أصبح قاضياً كبيراً في زمن الدولة العباسية، من هنا بدأت الأقلام تتناوله، هل انه كان من شيعة أهل البيت ومحبيهم أم من اعوان السلطة، السيد الخوئي أعلى الله مقامه في كتابه "معجم رجال الحديث" عندما يترجم له يقول إن الرجل كان صحيح الاعتقاد، وكان شيعياً من اتباع الامام جعفر الصادق (ع)، وان كان يخفي بعض أمره خوفا من جلاوزة هارون العباسي والسلطة الحاكمة يومها، وكان يفتي حسب ما يعتقد حسب فقه الامامية.
انتماء إلى كربلاء
ويضيف سماحة الشيخ الحمداني: لم تشر المصادر التي ترجمت له إلى ولادته لكنها اشارت إلى وفاته سنة 182هـ، إذن هو من اعلام القرن الثاني الهجري، باعتبار انه لو ولد سنة 100هـ فيكون عمره 82 سنة، أو ولد قبلها فهو من اعلام القرن الثاني الهجري.
ويروي سماحته: نشأ كآل دراج الذين ينتسبون إلى النخع، وهي قبيلة عربية سكنت العراق ولها ثقلها في الكوفة يومها، وكان زعيمهم مالك الاشتر النخعي رضوان الله تعالى عليه، والذين عملوا بالتشيع لأمير المؤمنين (ع)، فسكنوا في الكوفة وفي عدد من أقاليم العراق، كان أبو أيوب نوح متنقلا بين بغداد والكوفة، وله أخ وهو جميل بن دراج في منطقة الطارمية الذي يعرف اليوم عند العوام باسم شيخ جميل بكسر الجيم، اخوه هذا كان أيضا رجلا فقيها من الصالحين، الذين ينتمون إلى مدرسة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، هنا يكون عندنا سؤال انه اذا كان نوح بن دراج عاش في بغداد، وكان واليا أو كان قاضيا لهارون العباسي، فكيف أتى إلى كربلاء؟ أنا أعتقد أنه أتى إلى كربلاء، لأنها كانت ملاذا آمنا لكل من تطلبه السلطات، فأتى إلى كربلاء لكي ينجو من ضغط الحكومات العباسية المتتالية وغيرها، فحل في كربلاء، كل من ترجم له قالوا لما سمي بإمام نوح، يقولون إن المنطقة التي كانت تعرضت إلى فيضان، سميت الابيتر تصغير أبتر أو منطقة الابراهيمية، هذه كلها تابعة إلى المناطق المستنقعات والأهوار، التي كانت في زمن ما بين كربلاء وما بين بابل، باعتبار أن الفرات كان يطغى أيام الربيع ويفيض، فهي عبارة عن منطقة أهوار ومستنقعات ما زالت إلى الآن هذه المنطقة القريبة على جامعة كربلاء يسمونها الهور "هور سيد إسماعيل"، أو قبل كانت تسمى "هور السليمانية" في زمن الحكومة العثمانية تبعا لسليمان باشا باعتبارها أرضا مرتفعة كبيرة، فكانت تفيض أيام الربيع عندما يفيض الفرات تفيض هذه المناطق، فسبحان الله فاضت كل هذه المناطق الا منطقة قبر نوح بن دراج، فعبروا عنه بالسفينة أو عبروا عنه كأنه نوح النبي سلام الله عليه.
عناصره المعمارية
وعن عمارة المرقد حدثنا السيد عامر نصر الأمين الخاص للمزار قائلا: مرقد الإمام نوح عبارة عن غرفة دائرية الشكل تعلوها قبة، لها باب واحد للدخول يتوسطها شباك من الألمنيوم والنحاس، ومرت عمارة الضريح بعدة مراحل، وظل بسيطاً لمدة زمنية طويلة يعاني من الإهمال وتهدم بعض أركانه وجدرانه، كان السَّدنة وبعض أهل الخير من السكان المجاورين بصدد توسعته وإعادة بنائه، وقد استخدموا في هذه العمارة مواد البناء الحديثة، إضافة إلى تغيير تخطيط المرقد، فأصبح عبارة عن قاعة كبيرة مربعة الشكل فُتح بها بابانِ أحدهما بالجهة الشرقية والآخر بالناحية الشمالية، وأُنشئت قبة جديدة شاهقة الارتفاع فوق القاعة المشار إليها، وبذلك فقد المرقد عناصره المعمارية القديمة تماماً، وأصبح من المباني الحديثة وعند انضمامه إلى الامانة العامة للمزارات الشيعية، بدأت رعايته والاهتمام به من جميع النواحي.
كفالة وإعمار
مسؤول الشعبة الهندسية لمزارات كربلاء المهندس زيدون الدفاعي حدثنا عن تفاصيل المرقد
بالقول: المزار عبارة عن بناء بأبعاد سبعة عشر مترا مربعاً وبارتفاع أربعة أمتار، ويقع القبر الشريف في الوسط تماما، وكان المزار حتى سنة 2008 عبارة عن غرفة قديمة جدا بأبعاد ثلاثة أمتار مربعة، حتى قام أحد المتبرعين ببناء الحرم كاملا ووضع هيكلا حديديا للقبة الشريفة، وفي سنة 2012 تم اكمال بناء القبة وتغليفها بالكاشي الكربلائي، حيث يبلغ قطرها تسعة أمتار وبارتفاع خمسة عشر متراً عن سطح الارض، وتكفلت الامانة العامة للمزارات الشيعية بأعمال الصيانة من تاريخ بنائه وحتى هذا اليوم، فقد تم إكساء أرضية الحرم الشريف بالمرمر التركي واكساء الساحة الخارجية بالمقرنص، وبناء مجموعتين للمنشآت
الصحية إحداهما للنساء والأخرى الرجال.
نشاطات
واختتم الامين الخاص للمرقد قائلا: أغلب زائري المرقد هم من المناطق المجاورة والقريبة، وتكثر اعدادهم أيام الخميس والجمع
والعطل الرسمية، وتقام في المرقد الشريف نشاطات قرآنية وثقافية وإحياء المناسبات الدينية لولادة ووفيات الائمة الاطهار وعلى مدار السنة.