حين لا يكون الكاتب موضوعيَّاً

منصة 2024/05/29
...

 د. قاسم حسين صالح


 نشر الدكتور طه جزاع في جريدة الصباح (23 /5/2024)  موضوعا عن الدكتور علي الوردي استهله بقوله (في حديث عابر مع زميل جامعي سألني حول مكانة علي الوردي في علم الاجتماع وأهميته في الأوساط العلميَّة.. وآرائه الاجتماعية المعروفة، وبالأخص ما يتعلق منها بسمات الشخصية العراقيَّة) واستشهد بمن كتب عن الوردي من دون أن يذكر ما كتبناه نحن عنه. 

يعلم الدكتور طه، أو افترض ذلك، أنني اقرب الأكاديميين إلى الوردي، وأنني كنت على فراش موته، ولا أنسى عبارتين قالهما لي لحظتها، الأولى بعد أن صار على يقين أنه في ساعاته الأخيرة: "تدري قاسم هسه شيعوزني.. ايمان العجائز". 

والثانية مد يده لي، وقال: "تدري أنا ما أحب الماركسيين.. بس الك.. احبك، تعال انطيني بوسه".. وكانت قبلة الوداع وأكثر من دمعة.

 ويعلم الأخ طه أنني أجريت مع الوردي حوارا لجريدة الجامعة زمن وزير التعليم العالي الراحل منذر الشاوي، ولم ينشر كله، وحين عتب عليّ الوردي أجبته: إذا نشر كاملا.. نكون أنا وأنت في سجن أبو غريب.. وعلق مازحا: "والله يا محلاها إذا نكون سوا بزنزانة وحده". 

وإنني احتفظت بها 34 عاما واهديت الاتحاد العام للأدباء والكتاب ومكتبة الدكتور مهند مصطفى جمال الدين أوراقا منها "صارت صفراء" مكتوبة بخط يده، تم تزجيجها ومعلقة في بنايتي الاتحاد والمكتبة.

ويعلم أو أفترض أنني كنت اختلف معه، في حياته، بخصوص تحليلاته للشخصية العراقية (ولي ثلاثة كتب في الشخصية العراقية بينها كتاب منهجي مقر من وزارة التعليم العالي) وكتبت مقالا بعنوان: نظرية علي الوردي لم تعد صالحة.. ومع ذلك فإنني خصصت 16 صفحة في كتابنا الشخصية العراقية في نصف قرن.. تعطيه حقه دعونا فيها الى أن تقيم له مدينته الكاظمية تمثالا يوضع بداية جسر الأئمة ويده مفتوحة وممدودة باتجاه الأعظميَّة، وختمناها بعبارة: "إنَّ استذكار علي الوردي ينبهنا إلى حقيقة أزليَّة هي أن الطغاة زائلون والعلماء

خالدون".

ما كتبته.. ليس من باب العتب على الأخ الدكتور طه جزاع، بل من أجل إحياء وإشاعة تقليد أن يكون الكاتب الأكاديمي موضوعيا حين يكتب، وأن ينصف حق من يستحقون، حتى لو كان يختلف معهم شخصيا أو فكريا.