حسين الذكر
فيما كان العراقيون يعدون إزاحة كابوس الدكتاتورية من الاحلام الطوباوية، لولا تشابك المصالح العالمية ما ظهر منها وما خفي . حتى تهاوى باستيل النظام القديم بكل عوراته، لتحرق المؤسسات وينهب ويستباح الوطن بيد المحتل وقوى أخرى ظهرت فجأة كأنها اعدت قبل سنوات باجندة مبرمجة، ليحل عهد سمي بالديمقراطي، كانت اغلب مخرجاته وما زالت تمثل الفوضى والتفرد والتحزب والتعدي على الصالح العام، غيبت فيه المركزية والقانون، واصبح العراق مرتعا لكل من يجيد فنون استخدام السلاح ليلتف على الإنجاز وتأسر قوى المجتمع وأجهزة الدولة بزي وشكل احدث ، تبدأ معه مرحلة جديدة من المعاناة والدعوات في كيفية الخلاص من هذه القوى التي سرقتهم ووضعتهم تحت نار المحاصصة والطائفية والعشائرية والحزبية والقوى المسلحة وكل عواهن العصر المستشرية في الجسد العراقي العليل .
كنت اتمشى صباح العيد في مدينتي الشعبية التي كانت قبل 2003 نابضة عاجة بالناس ، المتنقلين عبر سيارات الأجرة من البيت الى العمل بشكل ظاهر ، يبدأ من الفجر حتى فجر آخر ... هكذا كانت تدور رحى الحياة برغم التعب والوجع والحصار لكن الترقب والامل في التغيير لن يموت . اليوم وجدت الشوارع شبه مهجورة ، المحال لا تفتح الا ظهرا والسواق يعانون الحصول على الراكب الوجوه مكفهرة الجموع متوثبة للاشتباك باي سبب تافه ، بعد تخدير الشعب وضياع الجزء الأكبر من القيم التي تحولت الى بطالة واركيلة ومخدرات ورشوة علنية ودروس خصوصي وتدن علمي وعملي وانضباطي
غير مسبوق..
التقيت صديقي وقد اسود لباسه ، فاستفسرت ، فقال : ( ان اقاربه ماتوا في حادث سير عند عودتهم من زيارة مقبرة الغري في محافظة النجف مع اطلالة عيد الفطر ) ، فتذكرت كم من المعارف والاصدقاء فقدوا بذات الطريق والطريقة لاسيما الى المراقد المقدسة حيث يؤم الناس للزيارة والسياحة التي تدر ملايين الدولارات ، مما لا يستثمر لصالح المجتمع ، إذا ما زالت محافظاتنا اشبه بالخرائب الصحراوية او من بقايا العصر الطنبوري . علما ان الحلول متاحة والأموال متوفرة ولا تدخل ضمن سياقات القضاء والقدر ،لكنه التخريب المتعمد والفساد المؤجند الذي لا يسمح بتنفيذ ما يمكن ان نرى النور من خلاله ، برغم الجهود والمساع الحثيثة لإدارات العتبات المقدسة ، لكنه نتاج لا يمثل الا النزر من طموحات معطلة منذ عقود .
شاهدت في أول يوم من العيد ( ستوتة) تحمل أطفالا بوجوه بريئة لكنها واجمة متجمدة حزينة ، يجلسون بلا حراك لا صفقة لا غناء ، بدوا كأنهم جيل مخدر ولد من رحم الفيس والانترنت والاركيلة والبطالة ومظاهر اجندات السياسة التي حاقت بنا من شعارات قومية واشتراكية دكتاتوريا ... ودينية وحزبية ومبدئية
ديمقراطيا ..
أتذكر في العيد أيام زمان كنا نركب عربة حصان ، تساق من قلب المدنية الى حدودها ثم تعود ونحن نرقص ونغني : ( وصلنا المدينة ام الوسخ والطينة )... هكذا نلعب ونلهو بعيدا عن اجندات السياسة والاعيبها وما تخبئ لنا .. لم يتغير في مدينتنا المقهورة منذ خمسة عقود واكثر سوى سائق الحصان الذي اصبح يقود ستوتة بذات العقلية والبساطة والاحلام التي جل ما تتمنى ان يكون الماء حلوا و يستمر تيار الكهرباء.. عدا ذلك من نهب وسرق مليارات وانتهاك حقوق الانسان ومستقبله وحريته وامانه .. فلا يفكرون به، بعد ان استغفلتهم الاجندات ودوخهم اللصوص واسكتتهم قوى الإرهاب الداخلي والخارجي ..