قصص وتجارب نقل «الجثامين» من المهجر

منصة 2024/05/30
...

 عامر مؤيد 

على طول سنوات كثيرة ماضية، كانت الهجرة حاضرة وملازمة لأفكار أبناء العراق، ومع مرور الأعوام، فهناك من توفوا خارج أرض الوطن ودفنوا في المهجر، أما قسم آخر فكانت من ضمن وصيته أن يعودوا بجثمانه ويدفن في العراق. في البداية كان الأمر معقدا، بعض الشيء لكنه الآن أصبح أقل تعقيدا وتكلفة، لا سيما في الدول التي يتواجد فيها خط طيران رابط مع العراق، حيث نقل الجثمان يكون مجانياً.

مدير إعلام وزارة النقل ميثم الصافي تحدث لـ “الصباح” عن آلية نقل جثامين العراقيين المتوفين خارجاً عبر الخطوط الجوية العراقية، مؤكدا أن “النقل يكون مجاناً على العراقيين”. 

وأضاف الصافي أن “النقل المجاني للجثمان يكون في الدول التي تتواجد بها الخطوط الجوية العراقية، وفي حال قرر أهل المتوفى نقله ولا يوجد خط نقل جوي عراقي بينهم وبين البلاد التي يقطنونها، فإنهم يذهبون إلى أقرب بلد لهم فيه الخطوط الجوية العراقية وينقلون الجثمان عبرها”.

وبالتأكيد فإن في دول كثيرة هناك قانون يحكم عليك موضوعة الدفن وآليته، فضلا عن امكانية النقل، وهنا تتحدث اذار علك، وهي محامية وتملك شركة للمحاماة في السويد عن قانونية نقل جثمان “العراقيين” في الخارج إلى الداخل، ويملكون أيضا جنسية مصاحبة لـ “العراقية”، قائلة إن “التعامل يكون مع مكاتب خاصة للدفن، في حال لم يريدوا دفنه في السويد، فإن هذا المكتب ينسق كيفية نقله إلى العراق من خلال حجز مكان خاص له، وبعدها تأمين طيارة قادمة إلى العراق، سواء كانت في الخطوط الجوية العراقية أو خطوط أخرى”.

وتتحدث علك في حديثها لـ “الصباح” عن الاشكالية التي قد تتولد بين أبناء العائلة الواحدة حول دفن رب الأسرة، ذاكرة أن “الفصل في هذه القضية يعود إلى القانون المدني الدولي، حيث الأولوية إلى مكان الاقامة وبعض الأحيان الجنسية هي التي تحدد، ففي حال امتلاكه لجنسية عراقية وسويدية ويعيش في السويد، فالاولولية هي السويد، أما القسام الشرعي فسابقا كانت الجنسية هي التي تحدد لكن بعد 2017 تغيرت المعاهدات الدولية”، مبينة أن “التغيير الذي طرأ يتضمن امكانية عمل القسام الشرعي في السويد، لكن حسب القانون الذي ينتمي له”.

وتزيد علك أن “المتوفى إذا كان يمتلك اقامة سويدية مؤقتة فقط، فإن الخلاف بين الأولاد على مكان دفنه يحسم لصالح بلده الأم، لكن لا مانع من امكانية دفنه في 

السويد”. 

قصص كثيرة عن نقل جثامين العراقيين من المهجر إلى أرض الوطن، ومنها قصة باقر فاضل مع عمته التي توفيت في اليونان ويتحدث عبر “جُمار” عن آلية نقل جثمان عمته من العاصمة اليونانية أثينا إلى العراق، ومن ثم دفنها بالنجف في مقبرة وادي السلام، ذاكرا أن “الأمر كان صعبا في الذهاب إلى أثينا بسبب سمة الدخول، لكنْ هناك صديق نسق لنا التواصل مع السفارة العراقية في اليونان لتبدأ القصة من هنا”. 

يذكر فاضل في سرده لهذه القصة الى “الصباح” أن “نقل الجثمان في البادئ لم يحصل بسبب الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، لذلك اقترحوا تامين الجثمان في مقبرة خاصة ويتم دفع مبلغ 1400 يورو سنوياً لكننا رفضنا ذلك، بسبب وصيتها بدفنها في العراق وهنا بدات مرحلة جديدة”.

بعد محاولات كثيرة، يذكر فاضل أنه قالوا “سننقله لكن بمبلغ خمسين الف يورو وهو مبلغ كبير ودخلنا في مرحلة تفاوض مع متعهدين بنقل المتوفين، وتم الاتفاق مع أحدهم في الأخير بمبلغ 5 آلاف و500 يورو ولصعوبة الأوضاع في العراق من ناحية نقل الأموال، تم تأمين المبلغ عبر وسيط وبالفعل نُقل الجثمان إلى الأردن، وكانت الخطة أن ياتي من هناك إلى العراق، ولكن دخلنا في مرحلة مفاوضات جديدة، حيث طلبوا مبلغ 12 مليون دينار لذلك”. 

يؤكد فاضل أن “بعد مفاوضات كثيرة وصل الجثمان إلى العاصمة بغداد، حيث أخذت رحلة نقله ما يقرب من 12 يوماً”.

قصة أخرى في عملية نقل “الموتى” إلى العراق، يتحدث عنها حيدر الوكيل، قائلا لـ”الصباح” إن “حالة وفاة لأقاربه حصلت في دول الخارج، احداهما في الهند وتم تامين نقله بمبلغ وصل إلى 500 دولار وهي أجور أبرة التحنيط، وأيضا التابوت”.

وفي السعودية كان المبلغ أكثر إذ وصل إلى ما يقرب من ثلاثة الاف دولار”. 

الوكيل تحدث عن نقل جثمان زوج عمته من الهند، حيث توفي أثناء العلاج وكان معه مرافق وكذلك نقل جثمان عمه في السعودية، كما يقول إن “نقله كان بمبلغ أكبر بسبب بقائه لوقت أطول، فضلا عن وجود أبرة للتحنيط، وهذه الأخيرة يختلف مبلغها من دولة إلى أخرى، كذلك فإنه كان معتمرا وذهابه إلى السعودية عبر خطوط نقل عربية، لذلك فإن عودته لم تكن مجانية وتم دفع تكاليف مقابل ذلك”. 

البعض يرى أن هناك تعقيدا في عملية النقل، لكن الدكتورة نجوح السعيدي مديرة شعبة نقل الوفيات من خارج العراق لمدة أربعة عشر عاماً، تقول لـ “الصباح” إن “نقل الجنائز إلى العراق غير معقد”.

وأضافت السعيدي أن “هناك شرطا واحدا موجودا، وهو عدم إصابة المتوفى بأي مرض مزمن مثل الإيدز، والكبد الفيروسي  “سي”، والكبد الفيروسي “بي” وأضيف لها فيروس كورونا. 

وتؤكد السعيدي أن “حوادث كثيرة صارت أثناء فترة كورونا، بدايتها كان يمنع نقل الجنائز من وإلى العراق، حيث يُدفن في الأرض التي مات فيها، وبعد ذلك ألغي هذا القرار».

تشير السعيدي إلى وجود رغبة لكثيرين في أن يدفنوا في أرض العراق، وبالاخص في النجف وهم من “الشيعة” المنتمين لدول “السعودية، باكستان والبحرين وأخرى” ولا توجد مشكلة في عملية النقل.

من أبرز القصص التي صادفت السعيدي أثناء فترة عملها عن حالة نقل جثمان باكستاني توفي في 1976 إلى أرض النجف، حيث جاء إلى ابنه في الحلم وعاتبه بعدم دفنه في النجف، ما جعل الابن يخاطب الخارجية العراقية التي بدورها خاطبتني، وتم نقل رفاته ودفنه في النجف، على حد قولها إن هناك من يرغب في أن يدفن والده في العراق، لكن هناك صعوبات تحيل من دون ذلك، أبرزها أن العائلة قد انتقلت بشكل كامل إلى خارج البلاد، ولا يوجد من يتكفل بمراسم الدفن هناك، بحسب رشا مجيد.

مجيد تضيف في حديثها لـ”الصباح” أن “هناك رغبة كانت في أن يدفن والدها في العراق، لكن صعوبة النقل، وهناك تكاليف بسبب عدم وجود خط نقل جوي في السابق، حال دون أن نقوم بهذه الخطوة، لذا قررنا في النهاية أن يُدفن في السويد”. 

الوصية وضرورة تطبيقها، هذا ما يقوله محمد حسين، وهو عراقي ولد في بريطانيا ويقيم مع عائلته هناك، لكنه أعاد والده الذي توفي في مدينة برمنغهام إلى العراق تنفيذا لوصيته. 

يؤكد حسين في حديثه لـ “الصباح” أن والده الذي توفي أثناء بلوغه الخمسة والستين عاماً كان قد كتب وصيته منذ عمر الأربعين، وأنه لا يريد أن يُدفن سوى في أرض النجف، حيث التقرب من الإمام علي (ع) .

وعن تكاليف النقل، يقول حسين إن “الجثمان دخل العراق بمبلغ وصل إلى 2350 دولارا، حيث نقلناه عبر خطوط غير عراقية، نتيجة لعدم وجود خط ناقل بين المدينة التي نسكناها والعاصمة بغداد”.