بغداد: نوارة محمد
العراقيل التي تواجهها النساء بهدف العثور على وظيفة محترمة لا تزال كبيرة، والغبن الذي تتعرض له في سوق العمل أمر لا يستهان به، فبرغم التحولات الاجتماعية الضخمة في مجال ريادة النساء في المهن الحرة، إلا أن التغير لا يتعدى كونه هامشيا، هذا التمييز يجعل كثيرات عاطلات وبلا عمل! ما هي أسباب تراجع نسب النساء العاملات في البلاد؟.
فرح سالم صحفية وناشطة ترى أن النساء تواجه حرباً شرسة ومجتمعات كاملة، تعتقد أنها غير جديرة بشغل مناصب متعددة، كما لو أن سوق المهن محصورا على جنس الرجال فقط!
تقول إن “جميع الفرص متاحة، لكن هناك من يضع قيوداً وشروطاً تصل إلى عزل الكفاءة، هذا الرفض تواجهه النساء العاملات في الداخل والخارج، على الصعيدين المجتمعي والعائلي، الأمر الذي يؤدي إلى جعل النساء حبيسات المنازل أو العمل داخل أفق ضيق ومحدود، ولا يتعدى كونه هامشيا في المجتمع، وإذا ما خرجت عن المألوف فأن الكلام السيئ الذي يخص السمعة والشرف يلاحقها طوال مسيرتها العملية”.
من جهتها تقول الصحفية زينب المشاط إن “نساء كثيرات يضطررن إلى الانخراط في القطاع الخاص نظرا لِعدم حصولهن على وظائف حكومية، الأمر الذي يجعل كثيرات في مواجهة مع الابتزاز، ويجبرهن أيضا على العمل لساعات طويلة مقابل أجورا بسيطة، الأمر لا يتوقف عند هذا فحسب فالعمل لدى القطاع الخاص لا حقوق فيه، ومن الممكن أن ينهي المدير خدمات موظفيه بسبب أو من دونه”.
وتعتقد إيمان الحسن أن أسباب تراجع نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة تعود إلى إصرار بعض الأسر بالخضوع إلى العادات المجتمعية والقيود التي لا يزال تأثيرها مباشرا على المُدن والمناطق التي تُلبي نداء القبيلة.
وبحسب تقرير رصدته “سي وورلد” مؤخرا عن نسب مشاركة النساء في القوى العاملة لعام 2024، وأتضح أن العراق يحتل المرتبة الأخيرة عالميا، حيث بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة بالبلاد فقط 10.7 بالمئة.
ويظهر التقرير أنه في العراق من بين 13 مليون امرأة قادرة على العمل، و 7 بالمئة منهن فقط يعملن، مما يجعل البلاد تحتل المرتبة 195 من بين 195 دولة.
الحسن وهي ناشطة مدنية ومهتمة في شؤون المرأة تعود للقول إن “هذه واحدة من الأسباب الرئيسية التي تقف بوجه النساء العاملات، وعلى الرغم من إنشغال منظمات الحقوق المدنية والإنسانية، التي تدعو إلى الحصول على حقوق متساوية مع الصنف الأخر، ورغم الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية في هذا الشأن إلا أن الأمر لا يزال معقداً”.
في المقابل تقول دنيا سالم: أكملت دراستي في كلية التربية قسم اللغة الانكليزية، وحصلت على وظيفة في وزارة العدل، كمترجمة، لكن والدي رفض أن أمارس هذه المهنة، كونها تجعلني على احتكاك مع سائر البشرية من الذكور، وأرادني أن أعمل مدرسة، وهذا ما جعلني أجلس حبيسة المنزل وحياتي مقتصرة على تربية الأولاد خلال الخمس أعوام الماضية، نسيت اللغة ولم أعمل مدرسة أو مترجمة، لأنني لم اقتنص الفرصة ولّست قادرة على الاستقلالية لأنني ربة منزل!”.
نورس نصيف جاسم، وهي موظفة حكومية تقول إن “المجتمعات العربية عموماً متأخرة في هذا الشأن ومصطلحات على شاكلة (مكانك المطبخ) و (وظيفتك تربية الأطفال) لا تزال تمارس دورا في حيوات كثيرات، وعلى الرغم من أن نسبة النساء في المجتمع العراقي تصل نحو 49 بالمئة من إجمالي السكان، إلا أن فرصهن في سوق العمل ما زالت ضئيلة، إذ لا تتجاوز نسبة النساء العراقيات العاملات حدود 15 بالمئة من حوالي العشرين مليون امرأة عراقية، بينما تقع 85 بالمائة منهن ضحايا عوامل موضوعية تحجم دورهن في المجتمع عموماً وسوق العمل تحديداً.»
أما ىية خليل، وهي طبية أسنان وحاصلة على شهادات في التجميل فتقول، إن “الرفض الذي نواجهه في السنوات العشرة الماضية بدا أقل بعض الشيء، البعض صار يستقبل فكرة الطبيبة بإمكانها المبيت خارج المنزل، والصحفية من الممكن أن تعبر حدود المدينة إذا ما اضطر الأمر، وطبيبات الأسنان من الممكن أن يحصلن على دورات خارج
البلاد”.
وتعتقد أن هذا التغير الطفيف رصدناه في الآونة الأخيرة، كما تضيف “نعم، نحن مجتمع يُحجم المرأة ويقلل امكانياتها، بغض النظر عن نوع العمل الذي تمارسه.
نعم، نحن بحالة مواجهة شديدة لقيود تفرضها العادات وأساليب نمطية تعتاش عليها الأرياف، وحتى المدن التي لا تزال تحت تأثير النظام القبلي الصارم وهو متمسك بأدوات الخوف والتسلح بانظمة الزواج وتكوين الأسرة بشكل قسري وجعل الزواج السبيل الوحيد للبقاء على قيد العيش، بينما هذه المنظومة تحتاج إلى دور المرأة في العمل وتحقيق الاستقلالية المعنوية، كل ما علينا فعله الآن هو الوقوف بوجه تلك العادات البالية.»