اسباب إخفاق الأحزاب السياسية

آراء 2024/06/02
...

  سعد الراوي

بعد مضي عقدين من الزمن على التحول، الذي عجزنا أن نتفق على تسميته كعراقيين بين التحرير أو الاحتلال أو التحول من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، وهناك فرق شاسع بين التحرير والاحتلال، لكن ما نراه هو وجود انتخابات دورية غير منتظمة تقريباً، ومشاركة تتضاءل كل دورة انتخابية عن سابقاتها مع زيادة ملحوظة في المظالم وإهدار الحقوق وهذا ما دعاني لأن أكتب من جديد عن هذا الموضوع.

ولا يخفى على الجميع وصول عدد الأحزاب المسجلة في دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية التابعة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق بحدود 300 حزب، وهذا رقم كبير جداً عما نراه في الدول الديمقراطية. وبعد مرور عدة دورات انتخابية محلية أو برلمانية لا بد من مراجعة شاملة بطرح الإشكالات مع طرح حلول قابلة للتنفيذ.
أم أسباب استمرار إخفاق معظم الأحزاب السياسية:  
1 - لا وجود لتجمع سياسي عراقي يحتضن الجميع ويستظل بظله كل عراقي يتواجد على أرض الوطن، مهما كان انتماءه القومي أو الديني أو المذهبي.. الخ.
2 - وجود أشخاص وأحزاب فوق القانون وخارج المساءلة.
3 - ضعف أو انعدام إيمان كثير من الأحزاب وقادتها بالتداول السلمي للسلطة داخل منظومتها الحزبية أو في مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية.
4 - افتقارها لمشروع سياسي واضح ومفصّل للأحزاب المتصدرة، ولا برنامج مرحليا لكل دورة انتخابية يتشارك فيه مع الآخرين في الحكومة الاتحادية أو الحكومات المحلية.
5 - لا وجود لمعارضة سياسية حقيقية تشخص وتنتقد وتطرح بدائل وحلول ناجعة.
6 - كل الشعارات الانتخابية تتكرر وهي رفع المظالم، وعدم تسيّد حزب على المناصب وتولي الأمين الكفوء والقضاء على المحسوبية والفساد، ولكنها سرعان ما تتلاشى بعد الانتخابات وتشكيل الحكومات من كل الفائزين وتتكرر الأخطاء نفسها إن لم نقل تتفاقم ولذلك الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ.
7 - وجود طبقة لا بأس بها تمجد المسؤول وتلعن الآخرين، وقد تجيّش لها جيوش الكترونية أو إعلامية.
8 - هناك كثير من الأموال تصرف في غير محلها ولا تعرف مواردها فقد يصرف مرشح لمجلس محافظة مئات الملايين أو تصرف أحزاب مليارات من الدنانير العراقية، وهذه المبالغ تثير الشكوك بمشروعيتها.
9 - لا يزال النقد والمدح والقدح أكثره مبني على أساس غير مهني، رغم وجود مراكز دراسات ومنظمات مهنية تراقب بكل احترافية وتنتقد نقد بناء.
10 - نسمع ونقرأ بأن هناك دعما دوليا وقد يكون إقليميا أو عربيا لشخصيات سياسية أو احزاب متصدرة للمشهد السياسي، لديها دعم من هذه الدولة أو تلك، وحتماً من يدعم يريد مواقف وهذا يثير حفيظة الآخرين.
11 - لا تزال هناك فجوة بين المواطن والمسؤول وبين قادة الأحزاب وناخبيهم مما يزيد من عدم الرضىا حتى وإن كان الأداء جيدا.
12 - هناك نقد كبير جداً في وسائل التواصل وفي الإعلام وفي أحاديث الناس لتفشي الرشوة والمحسوبية واستغلال المال السياسي، لكن ندرة وجود النقد البناء المرتكز على الأدلة والقرائن وإيجاد حلول.
13 - وجود جيوش الكترونية وإعلام مادح للمسؤول يقابله قدح ونقد لاذع لخصومه، وهذا يعقد المشهد ويقلل فرص التقويم الحقيقي والنجاح الفعلي على كل المستويات.
14 - أغلب الأحزاب والائتلافات تختار مرشحين بطريقة لا يمكن أن يتم اختيار الأفضل، خصوصاً عندما تشكل لجان الاختيار من أشخاص مرشحين، فيأتي بأخيه أو أخته أو أقاربه فلا يقبل مرشح أقوى منه، ويرفض أن ينافسه أحد ووجدنا ذلك كثيرا وفي عدة محافظات ولأكثر من قائمة انتخابية وإن أكملت القائمة، فسيكون التنافس على التسلسلات، وقد تنتهي كل جهود الأشهر الماضية على خلاف لرقم تسلسل فلان، لهذا يصعب مجيء الكفء، فمن يختلف على هذه الأمور كيف يتفق على برنامج حكومي خدمي للمواطن!.
هذا غيض من فيض كثير ويحتاج لورش ومدارسات عميقة لما طرح ويطرح من الآخرين ممن خاضوا هذه التجارب ومن المراقبين والمهتمين، فقد تكون طروحاتهم أهم وأدق مما ذكرته في أعلاه.
 حلول ومعالجات هذه الإخفاقات
بعد أن عرجنا في الجزء الأول من هذه الورقة عن أسباب هذه الإخفاقات، يجب ألّا نبقى في غرفة النقد فقط، لا بد أن نطرح بعض المعالجات مع ما يطرحه الآخرون عسى أن يتغيّر الحال نحو الأصلح ونعيش في بلد ديمقراطي آمن مستقر مزدهر، ومن هنا أوجز رؤيتي بالآتي:
أهم المعالجات والحلول
1 - نقر بخلافاتنا ونجعلها للتكامل وليس للتضاد، وبدلا من أن نشغل وقتنا بالنقد والنقد اللاذع، نؤسس لمشروع سياسي إصلاحي استراتيجي طويل الأمد، ونخرج من دائرة اللَّوم والعتاب ولعن الماضي ورجالاته إلى سوح العمل والبناء.
2 - لا بد من وجود أحزاب سياسية تؤمن بالتداول السلمي للسلطة في داخل تشكيلاتها ولديها مشاريع سياسية وبرنامج انتخابي، وتتقبل فكرة المعارضة، إن لم تتمكن من تشكيل حكومة وفق برنامجها. وإن تولت مناصب تجعله في صلب واجبها وخدمة الوطن والمواطن، ولا تعده منّة على المواطن.
3 - وجود ثقافة جماهيرية مقبولة لأخذ دورهم في التغيير والإصلاح بالمشاركة الفاعلة، والضغط على الأحزاب بطرح مشاريعها السياسية، وليس تبليط شارع أو صيانة محولة كهرباء أو إعطاء بطاقة شحن، فإن من يقبل بذلك هو شريك فاعل في تردي الأوضاع وتوقف عجلة الإصلاح أو تراجعها. فيجب أن تسبق أي ثورة للإصلاح ثورة ثقافية لمعرفة دور كل مواطن ما يقع على عاتقه، ويتعاون مع الآخرين للوصول للهدف المنشود.
4 - الحاجة الماسة لمؤسسات شبه رسمية، كمراكز دراسات ومنظمات مجتمع مدني مهنية تراقب العمل السياسي، ومدى تطبيق القوانين النافذة رغم ما فيها من إشكالات وتشخص أي خلل وتطرح معالجات بطرق مهنية، دون تجريح ولا شخصنة. على ألّا تكون هذه المؤسسات تموّل أو تخضع لأحزاب السلطة.
5 - القضاء على الأمية في الثقافة الديمقراطية عموماً والانتخابية خصوصاً فاليوم لدينا مئات الأحزاب، لكن ندرة وجود ثقافة مقبولة عند ناخبيهم، وعالية عند سياسييهم فقد حضرت لندوات وحوارات كثيرة معهم وعندما تسألهم {هل لديكم القانون الانتخابي النافذ بكل فقراته من العنوان إلى الأحكام الختامية/ وهل لديكم مكتب متخصص في الانتخابات}، لا غرابة من أن تكون الإجابة افتقار معظم الأحزاب ونرى اجابتهم بالنفي. وهذه إشكالية كبيرة لا بد من معالجتها.
6 -عمل ندوات وبرامج تثقيفية وورش توعوية وتعريف دور الناخب فلا يزال هناك عزوف عن التصويت يتجاوز ثلثي الناخبين، وهناك ثلث الناخبين لا يحق لهم التصويت لعدم حصولهم على بطاقة الناخب البايومترية.
7 - تبادر الطبقة المثقفة بالانخراط في المشهد السياسي والمشاركة الفاعلة، فعزوفها الكبير واكتفاؤها بالنقد أو الانزواء واليأس أثر تأثير سلبي، فأمسى التصويت ليس لمشروع سياسي أو برنامج حكومي بل على أساس العشيرة أو المنطقة
8 - تبني خطة انتخابية مفصلة من بين فقراتها طريقة اختيار المرشحين، مع تشكيل لجنة مختصة بتقييم واختيار المتقدمين.
9 - إنضاج نظام داخلي مفصل مفعل، وقد يكون هذا سبب رئيسا في الكثير من الإخفاقات والانقسامات وتشظي الأحزاب والائتلافات.
10 - وضع خطة للمراقبة المهنية تتعاون وتشارك فيها الحكومات المحلية والأحزاب السياسية والمنظمات، وهذا يعزز المشاركة ويقلل من نسبة الشكاوى والشبهات التي تثار حول الانتخابات.
كل ما دون أعلاه هي ملاحظات ومقترحات، يراها شخص مهتم ومتابع للعملية الانتخابية والسياسية منذ 2004 والى اليوم.
هذه الملاحظات هي خلاصة أفكاري واهتماماتي في هذا المجال، وحتما هناك شخصيات كثر لها دور في هذا المضمار يساندها الكثير من مراكز الدراسات والمنظمات المهتمة والمتابعة للشأن الانتخابي والسياسي ولديها تقارير وأوراق بحثية جمّة ممكن ان يطرح كل ذلك، وتتولى احدى الرئاسات أو المنظمات الدولية أو المحلية أو مفوضية الانتخابات، لأجل الوقوف على كل الإشكالات وإيجاد حلول متكاملة ناجعة لا ترقيعية لنعيد إلى المواطن أهمية المشاركة وتعزيز دوره في الإصلاح المنشود.