د. محمد وليد صالح
تواجه عملية تشكيل الصور عن الشعوب الأخرى مشكلات عدة من أهمها صعوبة الاتصال أو الحوار خاصة في حالة وجود العوائق الثقافيَّة، وأبرزها اختلاف اللغة فهي لا تقتصر على نقل المعاني، بل تنقل رؤية كاملة للعالم بما يحويه من قيم ومعتقدات وماضٍ تأريخي وهوية.. إلخ، بمعنى كيفية تصوّر شعب ما لسمات شعب آخر.
والصورة الاتصاليَّة التي تقوم الدولة بالعمل على تشكيلها عبر رسائلها الموجهة إلى الجمهور وهذه في الغالب تكون ايجابيَّة، لكنّها في كثير من الأحيان تكون أقل من الصورة التي ترغب الدولة في تشكيلها، فضلاً عن الصور التي توجد أو تتكوّن داخل أو في طريق سير الرسالة، التي تعرف بمنطقة صورة الذات الإنسانيّة، وهي جزء مهم بالنسبة للعملية وأخطرها إذ تحدد بشكل أو بآخر درجة التشويش الذي يحدث على الرسالة عندما ترسل إلى المتلقي، فهي أنموذج مبسط لبيئة الفرد تبدأ من تلقيه المباشر وغير المباشر ومن المحيط الذي نشأ فيه عبر مرشحات نفسيَّة مختلفة ضمن إطار اجتماعي وثقافي.
ولكن تتوقف كفاية هذه البرامج وفعاليتها الاقناعيَّة على مدى تناغم هذه الجهود الاتصالية والإدارية المتناسقة مع الشواهد الواقعيَّة، وإلا تكون الحملة الإعلاميّة
ذات تأثير محدود ولا تحقق أهدافها المرسومة، ولا سيما دور وسائل الإعلام كأداة من أدوات تشكيل الصورة الذهنيّة عن طريق وضعها للأطر وتحديد أولويات القضايا والأحداث فيما يمكن وصفه بوظيفة وضع خريطة للعالم، ولذلك تستعمل برامج بناء صورة الدولة فيها لقدرتها الجماهيريّة واختلافها من ناحية التأثير، فهي
أما أن تكون بطريقة مباشرة بواسطة برامج ذات اتجاهات واضحة ومفهومة، أو يكون تأثيرها بطريقة غير مباشرة "تراكميَّة" عبر الامتداد الزمني الذي يسهم بدوره في رسم صورة عن الأشياء من حولنا واتجاهاتنا وسلوكنا حيال الواقع المحيط بنا.
إذ يعتمد قسم من رجال السياسة أو الحكومات على خبراء الإعلام والعلاقات العامة، بهدف دعم تصورات محبّبة ومؤثرة لتتبنى الأطر المعبرة عن وجهة نظرهم، وقد تتحول إلى دعاية غير مقبولة بواسطة تكنيكات لتحوير الحقائق وتحريفها وعرضها بشكل مخالف للواقع وبأسلوب مكثّف في رسم الأحداث وتقديمها إلى المجتمع، مما يتطلب إيجاد نوع من التوازن في هذه العلاقة بين الإعلام والسلطة لتأكيد عنصر الاستقلالية وتجنب وجهات النظر الأخرى.
ومن ثم تظهر أهمية الأدوار السياسيّة للدولة في رسم صورتها الثقافيّة، عن طريق استطلاعات الرأي العام للتعرّف على الصورة الذهنيّة النمطيّة ذاتها ومعالجة أي مكونات سلبية، فضلاً عن دور مراكز البحوث المختصة في مجال علوم الاتصال بشكل خاص والعلوم الإنسانيّة بشكل عام والتركيز على دور الإعلام ووسائله وممارسة نشاطات العلاقات العامة الدوليّة والدبلوماسيّة العامة والشعبيّة الناجعة.