الناتو يضربُ في العمق الرُّوسي

آراء 2024/06/04
...

سناء الوادي

إنَّ المتابع للحرب الروسية ـ الأوكرانية منذ أن كانت في طور المخاض يستشعر الأيادي الأمريكية الخفية التي هندست هذا الصراع عندما لوّحت باحتمالية قبول كييف في حلف الناتو كإشارة لموسكو مفادها بأننا وصلنا إلى أسواركِ الحصينةِ، وها نحن قاب قوسين أو أدنى من نشر سلاحنا الموجّه لقلب عاصمتك، وما هو أبعد من ذلك بكثير
بين الوعيد بالرد القاسي والتهديد بالنووي، أطلَّت موسكو برأسها على دول الناتو في اليومين الماضيين، في تصعيدٍ كبيرٍ يتماشى مع ما أعلنه في مؤتمرٍ صحفيٍّ الرئيس الأوكراني «فلوديمير زيلينسكي « بشأن الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي والألماني لاستخدام الأسلحة الغربية في ضرب العمق الروسي.
هذا وإنَّ المتابع للحرب الروسية ـ الأوكرانية منذ أن كانت في طور المخاض يستشعر الأيادي الأمريكية الخفية التي هندست هذا الصراع عندما لوّحت باحتمالية قبول كييف في حلف الناتو كإشارة لموسكو مفادها بأننا وصلنا إلى أسواركِ الحصينةِ، وها نحن قاب قوسين أو أدنى من نشر سلاحنا الموجّه لقلب عاصمتك، وما هو أبعد من ذلك بكثير، فكانت أوكرانيا هي الساحة المقررة لاستنزاف قوّة الدب الروسي وإبعاده عن حلبة المنافسة الشرسة مع حليفٍ قويٍّ كالصين للنيل من النظام العالمي السائد الذي تهيمن فيه واشنطن على مقدرات وتنفرد وحدها بدور الحارس واللاعب والحَكَم بآن واحد.
في الحقيقة لم يكن المقصود من الخبث الأمريكي موسكو والصين فحسب، وإنما إتمام التجهيز على القدرات الأوروبية وإنهاكها بعد سنوات سعت بها للنيل من الاتحاد الأوروبي، حيث شكل اليورو هاجساً مخيفاً خشيت منه واشنطن على ترأس الدولار العملات العالمية وذلك ما يعني حتماً ترأسها لهرم الاقتصاد بكل قطاعاته وتفرعاته، واليوم بعد مرور عامين ونيّف على هذه الحرب العبثية واقتراب روسيا من إحكام سيطرتها على الأقاليم الشرقية من أوكرانيا عقب معركة شرسة في خاركيف، لم تكن تتوقع واشنطن ومَنْ جنّدتهم للوقوف إلى جانبها هذا الصمود الروسي المهيب، الذي ردَّ صفعة العقوبات التي فُرضت عليه بوجّه أعداءه، فعانى الشعب في أمريكا وأوروبا من ارتفاع نسبة التضخم وغلاء أسعار الطاقة والسلع، بينما يعيش الشعب الروسي في بحبوحة بل وزادت المداخيل الوطنية على الخزينة العامة جرَّاء الذكاء الروسي في التحايل على العقوبات.
ومن هنا فقد تلاحقت تصريحات كبار المسؤولين في موسكو بداية من الرئيس «بوتين» الذي نبّه الدول الصغيرة في أوروبا أن تخشى على نفسها، في إشارة إلى دول البلطيق الثلاث، والتي عليها ألاَّ تسمح للناتو باستخدام أراضيها لضرب العمق الروسي فهذه الدويلات تشكل أهمية جيوسياسية بالغة لها حيث أن جيب كاليننغراد معبر روسيا الوحيد لبحر البلطيق إلى غرب أوروبا، وما أعقب ذلك ما قاله وزير الخارجية سيرغي لافروف وكذلك نائب رئيس مجلس الأمن القومي ديمتري ميدفيدف من استخدام موسكو للسلاح النووي التكتيكي، إذا ما تعرضت أراضيها ووجودها لأي تهديد من الناتو.
وفي هذا الإطار وحسب محللين فإنَّ موعد ضرب العمق الروسي سيكون في غضون الساعات القادمة، فهل ستقُدِم موسكو على الرَّد النووي هذه المرَّة، هذا ما ردده المسؤولون الغربيون فقد قصفنا من قبل في جزيرة القرم وبعض المنشآت النفطية والصناعية في عمق 200 كم داخل روسيا ماذا حدث؟ حتّى أنَّ رئيس الوزراء البريطاني ريش سوناك قالها بوضوح ـ نحن تجاوزنا الخطوط الحمراء وروسيا لم تجرؤ على الرَّد ـ
ووفقاً لمجريات الأحداث وتصاعدها في الآونة الأخيرة فإن المنطق السياسي يحتّم على بوتين تفعيل الرد النووي إذا ما وُجِهت ضربة إلى عمق بلاده، ففي ذلك توسيعٌ للخلاف بين دول الناتو الداعمة لإشعال الحرب المباشرة مع موسكو والأخرى الرافضة لذلك، فضلاً عن تعميق الشرخ في ما بينهم حول حجم ومدى الدعم العسكري لأوكرانيا، أمّا على المقلب الآخر ففي الرد النووي التكتيكي إفشالاً للهيبة الأمريكية التي تحاول إيصال الرسائل الخفية لبكين والهند وكل الدول الراغبة بأن تكون طرفاً في تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وأكثر عدالة بأنها ستبقى الأقوى وستطعن الدب في صدره ولن يتجرأ على رد هذه الطعنة.
لذلك لا بدَّ من ردع الغرب عن دعم أوكرانيا المتزايد وحشرها في زاوية الرضوخ للمفاوضات وإحلال السلام بدلاً من استمرار التصعيد وإشعال فتيل حرب عالمية ثالثة قد يشكل السلاح النووي جزءاً منها، ناهيك عن أنه الوقت الأمثل لاستغلال التململ والاضطراب عند الشعب الأوكراني الذي ضاق ذرعاً بهذه الحرب، إضافةً للانقسامات الحاصلة على المستوى السياسي العسكري ومن الممكن أن تصل الأمور لثورة ضد زيلينسكي تؤدي للإطاحة به خاصةً وأن الدول الغربية ذاتها غير راضيةٍ عمّا فعله الأخير من إقالة عدة شخصيات مؤخراً على رأسها وزير الدفاع ولربما حسب وجهة النظر الغربية ما كان سبباً للتقدم الروسي الكبير في الجبهة الشرقية.
وعلى ذلك فإنَّ القيادة العسكرية والسياسية في موسكو ستدرس بعناية مكان توجيه الضربة النووية التكتيكية حتى تؤتي تلك الثمار التي تبغيها وتردع الغرب ومن خلفه الشيطان الأكبر الذي يريد زعزعة استقرار العالم، فإذا لم تكن في داخل الأراضي الأوكرانية فإنها غالباً ستستهدف المطارات التي تستخدم لتقديم الأسلحة لكييف.

 كاتبة وإعلامية سورية