كيفَ غيَّرت البطاطس العالم؟

علوم وتكنلوجيا 2024/06/04
...

 لندن: بي بي سي

في كانون الأول 2023، قررت الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة تحديد يوم 30 أيار، يوماً دولياً للبطاطس؛ لزيادة الوعي بالقيم الغذائيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة والثقافيَّة المتعددة للبطاطس ومساهمتها كموردٍ غذائي لا يقدر بثمن وكمصدرِ دخل للمنتجين الريفيين.وتعرف دائرة المعارف البريطانيَّة البطاطس بأنها نبات جذريٌّ من فصيلة الباذنجانيات واسمها العلمي سولانوم توبيروسوم Solanum tuberosum.
وتُزرع لمحتواها النشوي الصالح للأكل وموطنها الأصلي هو جبال الأنديز في بيرو وبوليفيا، وهي واحدة من المحاصيل الغذائيَّة الرئيسة في العالم.

الأصول التاريخيَّة
وتُعدُّ البطاطس رابع أهم محصول في العالم بعد الأرز والقمح والذرة، والأول بين غير الحبوب. فكيف تمكنت البطاطس أنْ تقنع العالم، في غضون بضعة قرون فقط، بتبنيها بشكلٍ كامل؟ إنَّ ما جعل البطاطس لا تقاوم هو قيمتها الغذائيَّة التي لا تضاهى، وسهولة زراعتها نسبياً مقارنة ببعض الحبوب الرئيسة، وقدرتها على التنقل بسهولة في الحروب. وعلى الرغم من أنَّ الدول الرائدة في إنتاج البطاطس في العالم اليوم هي الصين والهند وروسيا وأوكرانيا، على التوالي فإنَّ هذه الدول ليست الموطن الأصلي لها. يُعتقد أن البطاطس قد تمَّ تدجينها وزراعتها على نطاقٍ واسعٍ في أمريكا الجنوبيَّة بواسطة شعوب الإنكا منذ 1800 عام مضت. وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانيَّة.وفي مقال نشره في آذار من العام 2020 يقول إنَّ المركز الدولي للبطاطس (سي آي بي)، الواقع في ليما عاصمة بيرو، يشير إلى أنَّ بداية زراعة البطاطس كانت في أعالي جبال الأنديز، بالقرب من بحيرة تيتيكاكا، على بعد حوالي ألف كيلومتر جنوب شرق ليما، ثم انتشرت وأصبحت مصدرًا غذائيًا رئيسيًا للمجتمعات الأصليَّة، بما في ذلك الإنكا.
في العام 1532، وضع الغزو الإسباني حدًا لشعب الإنكا، ولكن ليس لزراعة البطاطس. أخذ الغزاة الدرنات (الأجزاء الموجودة تحت الأرض من النبات والتي نسميها البطاطس) عبر المحيط الأطلسي، كما فعلوا مع محاصيل أخرى مثل الطماطم والأفوكادو والذرة، في ما يسميه المؤرخون التبادل الكولومبي العظيم. ولأول مرة في التاريخ، غامرت البطاطس بالخروج من الأميركيتين. وهكذا، تمَّ إدخال البطاطس إلى أوروبا خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر.

جنون البطاطس
وذكرت دراسات أن عدد السكان في أوروبا وآسيا قد انفجر بعد انتشار البطاطس. واستمر جنون البطاطس دون توقف حتى مهدت آفة البطاطس الطريق للمجاعة الكبرى التي حدثت في الفترة 1845 - 1849 في أيرلندا. وأدى فشل المحصول، الذي تفاقم بسبب الاستجابة غير الكافية من قبل الحكومة البريطانيَّة في لندن (التي قررت عدم تقديم الإغاثة والرهان على قوى السوق)، إلى وفاة مليون شخص، وهجرة مليون آخرين إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ونزوح مليونين آخرين إلى أماكن أخرى، وانخفض عدد سكان أيرلندا إلى النصف في غضون
عقود.
فخر وطني
بينما يصرُّ شعب بيرو على أنَّ البطاطس تم تدجينها في بلادهم، فإن وزيراً من تشيلي أكد أن الغالبيَّة العظمى من درنات البطاطس حول العالم تنحدر من بلاده. ولكن المناقشة لا تدور بالضرورة حول درس في التاريخ، بل تدور أيضاً حول الفخر الوطني. وكتب تشارلز كريسمان، الباحث في المركز الدولي للبطاطس، عام 2008 يقول: «الجزء السخيف هو أن قصة البطاطس بدأت قبل آلاف السنين من ظهور مفهوم الدول القوميَّة، لكنْ، نعم، جاءت البطاطس الأولى مما يعرف اليوم ببيرو».

مستقبل البطاطس
بدأ العلماء في العقود الأولى من القرن العشرين في دمج الجينات من البطاطس السائدة مع البطاطس البريَّة على أمل الحصول على مقاومتها للأمراض.
ومعظم الدرنات المزروعة اليوم هي نتيجة لمثل هذه الاختبارات.وقد توفر هذه الأنواع البريَّة أيضًا إجابة لقضيَّة ملحة أخرى وهي تغير درجات الحرارة وظروف الأمطار بسبب أزمة المناخ. وخلصت دراسة حديثة إلى أنَّ ارتفاع الانبعاثات يمكن أنْ يؤدي إلى انخفاضٍ يصل إلى 26 في المئة من إنتاج الدرنات العالميَّة بحلول عام 2085.
ومن الممكن أنْ توفر الموارد الجينيَّة من هذه الأنواع سماتٍ مرغوبة، مثل تحمل الصقيع أو الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة.وتعدُّ البطاطس أيضًا من المحاصيل الصديقة للمناخ، لأنها تنتج مستويات منخفضة من انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بالمحاصيل الأخرى.
ولقد عمل المزارعون في أوروبا والولايات المتحدة، ومؤخراً في آسيا، على تطوير هذه الأنواع. وفي الصين، تعمل الحكومة بقوة على ترويج البطاطس بين سكانها، على أمل أن تصبح محصولاً وطنياً أساسياً جديداً وغذاءً أساسياً.
ويتبع قادتها تكتيكات مماثلة لتلك التي كانت تتبع في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث يروجون لها من خلال وسائل الإعلام المملوكة للدولة، والشخصيات الشعبيَّة، والكتب العلميَّة الشعبيَّة.
ويقول موقع الأمم المتحدة إن البطاطس عنصر مهم في استراتيجيات توفير أغذيَّة مغذيَّة يمكن الوصول إليها وتحسين سبل العيش في المناطق الريفيَّة وغيرها من المناطق التي تكون فيها الموارد الطبيعيَّة، وخاصة الأراضي الصالحة للزراعة والمياه، محدودة والمدخلات باهظة الثمن.
فتنوع المحصول وقدرته على النمو في مجموعة متنوعة من الظروف يجعله خيارًا مفيدًا للمحصول.
بالإضافة إلى ذلك، هناك نطاق واسع من التنوع بين البطاطس، مع أكثر من 5 آلاف صنف محسّن وأصناف/ سلالات أصليَّة للمزارعين، والعديد منها فريد من نوعه لموقعه الأصلي في أمريكا اللاتينيَّة.