محمد الباقر
تعد قصيدة النثر التي بدأت ولادتها في الفترة ما بين " 1960 - 1954" نوعا شعريا مختلفا، لاقى رواجا كبير بين رواد الشعر الحديث، ولكن فِي الآونة الأخيرة بدأت تظهر بعض الأصوات التي أخذت تخلط بينها وبين الشعر الحر وكتابة الخواطر الأدبية، من دون التعمق في أساسيات هذا النوع من الشعر.
وتعرف قصيدة النثر بأنها الشكل الفني، الذي يعمل للتخلص من أغلال نظام العروض بالشعر العربي. والانعتاق من الالتزام بأي قواعد موروثة من الشكل التقليدي للقصيدة، وبالإضافة لما تقدمه فقد اعتبرها البعض نوعا خاصا، يجمع بين الشعر والسرد الأدبي تحت اطار منفتح على جميع المواضيع، التي يمكن تناولها بشكل مبسط وسلس!
ويرى الشاعر والمترجم محمد تركي النصار؛ أن أكثر ما يجعل ركام الكلام، الذي ينشر باسم قصيدة النثر باهتًا وبائسًا هذه الأيام، هو تشابه هذه الكتابات التي لا يمكن وصفها بأكثر من كونها خواطر وتنفيسا يعبر عن احتقانات نفسية وعاطفية بمستويات سطحية.
ويقول النصار إنه "ومن خلال تجربتي الشعرية التي تمتد لأكثر من أربعين عاما، يحق لي القول إن ممارسة الكتابة الشعرية خارج الوزن، التي شاع إطلاق اسم قصيدة النثر عليها هي الممارسة الشعرية الأصعب، بسبب طبيعتها التي تتخلى في أكثر أشكالها تبنيًا عن رصيد القيمة الوزنية، وكل حسنات الجوانب الايقاعية الجمالية وهي بالنسبة لشاعر القصيدة المكتوبة بأسلوب الشطرين تمثل ركنًا أساسيًا في إظهار طاقاته جماليًا وبلاغيًا أيضا، لقوة الصلة بين الصوت والصورة في ذاكرة الكتابة الشعرية ومحفزاتها".
ويوضح النصار أن مما يعطي فرصة للبعض للاستخفاف بقصيدة النثر هو هذا التكاثر المريب لكتابات تنشر باسم الشعر، وهو منها براء، كما يضيف "ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي بما تتيحه من حرية في تسويق هذا الضجيج وهذه الرطانة اللذين يعكسان بؤسا ثقافيا وفهما خاطئا ووعيا سطحيا افقيا للشعر عموما، ولقصيدة النثر بأبواب حريتها المشرعة واسعة لما يفترض إنه تحرير للروح من سلطة تكبيل لسان حقها في الإفصاح عن كينونتها، لكن خلف هذه الحرية كائنا مكبلا بجهله محتبسا داخل وعيه البسيط ولغته الفقيرة التي تنتشر على الورقة بناء مشوشا مليئا بالأخطاء النحوية والإملائية، لا يمت بأي صلة لا للشعر أو ممارسته الأكثر صعوبة وتحديا في قصيدة النثر". أما الناقد الدكتور نصير جابر فيرى أن قصيدة النثر الآن مجرد سفسطة مشوهة ولا تعبر عن واقع هذه القصيدة الشاهقة. ويقول جابر والذي قبل أعوام كان يعتقد أنّ قصيدة النثر العراقية تحتضر وهي في غرفة الإنعاش تصارع من أجل البقاء، وتمرّ بأسوأ أوقاتها منذ ظهورها قبل عقود طويلة "الآن أجزم قاطعا أن هذه القصيدة الصعبة جدًا، التي أسّس لها رواد كبار وأنتجت نماذج شعرية عالية ما زالت تحتضر وأن من يكتبها اليوم في العراق على وفق شروطها الحقيقية شعراء لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة".
يعتقد جابر أن منصات التواصل الاجتماعي " فيسبوك" قد أسهم عن سبق إصرار وترصد في الإجهاز عليها"، موضحاً: إذ كانت (صفة) شاعر مهمة جدا- من وجهة نظر بعض رواد "الفيس" وضرورية كوجاهة اجتماعية لمن لا وجاهة له حينما يدخل هذا العالم الافتراضي، فعمّ وباء الاستسهال وظهرت آلاف الأسماء التي تدعي أنها تكتب قصيدة النثر لأنها بلا قيود، أو هكذا يتصور من يلج عالمها من دون معرفة، فهم أي (الخواطرجية) وياليتهم كتاب خواطر جيدة، بل هي خواطر مسروقة من (ترجمات الأفلام) غالبا أو من مصادر أخرى بائسة من أسهم بموتها، كما أسهم نقّاد الصدفة في الكتابة عن هذه النماذج التالفة، وغير الصالحة للاستهلاك الفني والفكري، وفقا لتعبير جابر.
وتَرى الشاعرة سلامة الصالحي أن قصيدة النثر خرجت من الأسوار، التي وضعت حول الشعر من وزن وإيقاع خارجي واكتنزت بالإيقاع الداخلي العميق والانزياحات والتأمل الروحي العميق، بعيدا عن خطابية وصخب العمود.
وتضيف الصالحي، أن "قصيدة النثر لا تعد إستسهالا، بل هي على درجة من الصعوبة، ولا يمكن أن يكتبها شعراء ينسخون النص العمودي". ويعتقد الكاتب رياض العلي أن هذا النوع من الاشتغال الشعري، جعل حتى ممن لا يمتلكون الموهبة الشعرية يصدرون دوواينهم، التي يسمونها دوواين شعر، وهي بعيدة كل البعد عن الشعر بكل اشكاله. ويقول العلي إن "أفضل من كتب القصيدة النثرية في العراق، هم حسين مردان وصلاح فائق ونصيف الناصري وسركون بولص". ويتابع العلي أن "قصيدة النثر شكلًا ومضمونًا شعريًّ، ظهر في فرنسا على يد بودلير ولم يصل إلينا إلا بعد قرن من الزمان، وقصيدة النثر هي محاولة تجديدية للخروج من نمطية الشعر التقليدي، وبخاصة الشعر الرومانسي وجعل الشعر يرتبط بالمدينة بكل مافيها من تناقضات وهي تختلف عن الشعر الحر".