حماية الآثار بالتكنولوجيا

آراء 2024/06/10
...

ابراهيم سبتي

في العراق تشكل الآثار ثروة وطنية لا تقدر باي ثمن، وهي ارث محفوظ لحضارات سومر واكد واشور وبابل وما لحق بها، سادت على أرض بلاد ما بين النهرين. ما يضع العراق كواحد من اهم مهاد الحضارات في العالم.
وعلى سبيل الذكر عمّرت الحضارة السومرية لآلاف السنين ظلت تنشر علمها وقوانينها وثقافتها على ارجاء المعمورة، وهي من أولى الحضارات التاريخية المعروفة في العالم.

وأمر طبيعي أن تُخلف هذه الحضارة بامتداداتها الواسعة، الآثار والمواقع التي لا تعدّ ولا تحصى. وتقع على عاتق الأبناء في تلك المناطق حمايتها والحفاظ عليها كإرث حضاري وطني نفيس. وهذا ما يُحمّل الأجيال مسؤولية الحفاظ على الموجودات الأثرية المكتشفة وغير المكتشفة والتي ما زالت تحت باطن الأرض. ان قضية حماية هذا الإرث الحضاري الكبير يحتاج العنصر البشري كحراس مدنيين أو عسكريين إضافة لتطويع التقنية المعاصرة في هذا المجال مثل استخدام الطائرات المسيّرة، والتي تعتبر حالياً إحدى الثورات التقنية في المراقبة والحماية والرصد والكشف على مدار الساعة. وهي الأنسب لحماية تلك المواقع بالغة الإتساع والمترامية.
ويمكن ان تقوم الحكومة المحلية في كل محافظة، بما تمتلكه من صلاحيات، بتطوير الواقع السياحي الموجود على أراضيها وخاصة في المناطق التي تكثر فيها المواقع الأثرية والتنقيبات. وتتجلى مفردات التطوير من خلال رصف وتعبيد الطرق المؤدية إلى المواقع المقصودة والمبادرة بإنشاء مرافق سياحية تليق بها كدور للإستراحة، وهي مهمة وضرورية لإستقبال السائحين الأجانب الذين بدأوا يتوافدون بكثرة على المواقع المختلفة في العراق ومنها الأماكن الأثرية الممتدة في أعماق التاريخ عبر آلاف السنين.
اضافة لما يمكن القيام به مثل النظر بتعيين حراس مدنيين للمواقع الأثرية بما يمكن سدّ الثغرات والخروقات الأمنية الموجودة في المواقع نتيجة اتساعها، وتوزعها بين مساحات واسعة. وحسب اقوال اهل الشأن في مفتشيات الآثار في المحافظات بأن الموجود الحالي لا يكفي اطلاقاً لحماية تلك المواقع، كما قرأت قبل ايام في جريدة «الصباح» تصريحاً لمدير مفتشية آثار وتراث المثنى، بمطالبته ( بزيادة أعداد افراد الحراسة للمواقع الأثرية في المحافظة، التي بدأت تشهد توافدًا للسائحين الأجانب من جميع دول العالم. لكون العدد الحالي لهم لا يتعدى الـ (80) حارسا فقط، الأمر الذي يعد غير مناسب لحماية المواقع التي تقترب من 900 موقع)،وهذا مثال حي لمدى حاجة تلك المناطق إلى حماية ومراقبة على مدار الساعة لإبقاء قيمة وهيبة الأثر وهيبة الحضارة التي خلّفته وصارت ايقونة على مدار العصور. إن كثيرا من الدول تتحسر على خلوها من الآثار والحضارات في سجلها التاريخي، وتتمنى أن يكون لها حضور تاريخي تتباهى به. فكيف والعراق أحد مهود الحضارة في العالم، وهو يمتلك آثارا ومناطق أثرية لا يمكن حصرها. إن طريقة الحماية لا تكفي بوجود العنصر البشري فقط ما لم تستخدم معه التكنولوجيا الحديثة، مثل الطائرات المسيّرة التي قلبت الموازين في كثير من دول العالم واثبتت كفاءتها وانها يمكن ان تمسح وتحمي وترصد وتراقب وتكشف مساحات هائلة من الأراضي، وقد تكون تكاليفها أقل من التكاليف البشرية واكثر جدوى واقل في الجهد والوقت، اضافة لكونها تسهّل الاتصال السريع عبر محطات أرضية وتؤمن عملية الوصول إلى المعلومات. إن تسهيل عملية السياحة المحلية والاجنبية الناشئة مؤخرا، خاصة بعد زيارة بابا الفاتيكان إلى أور حاضرة السومريين في جنوب العراق في العام 2021، كفيل بزيادة اعداد السياح الأجانب وإنعاش السياحة الدينية والأثرية، فأدى بسرعة إلى إستقطاب اعداد من السائحين الذين توافدوا على مختلف المناطق العراقية وهو امر يزيد من الحاجة لتأمين وصيانة ومراقبة المواقع الأثرية والحفاظ عليها باتخدام التكنولوجيا الحديثة مثل المسيّرات واعتمادها وتوظيفها لتسهيل المهمة وتوفير الوقت والجهد لحماية الاماكن التاريخية كارث لا يمكن التفريط به وهو ركيزة حضارية خالدة.