بغداد: نوارة محمد
بالكاد يمكن التمييز بين ما هو واقعي وما هو محض ادّعاء، في ما يتعلق بفضاءات "السوشيال ميديا" وهي تصدّر لنا الحياة البرّاقة والعيش الرغيد.. هذه الصور التي يروّج لها متصدو المشهد "الميديوي" تكشف عن استعراض مزيف.. البعض صدَّقه وفريق آخر بدا مُدركا أن هذه الشخصيات التي يعدها أنموذجاً ومثالاً للاجتهاد والإصرار وتحقيق الأهداف قبل أن تكمل الثلاثين من عمرها ليست سوى فقاعة كاذبة!
تقول طيبة علي إنّ: منصات مواقع التواصل الاجتماعي تسهم في ترسيخ أسماء وشخصيات بعينها، وتنسب إليهم نجاحات ربما لا يمتلكونها، وأنها أيضاً هي الوسيلة الأولى للترويج عن صورة مثالية اطلوا علينا بها كأبطال خارقين في هذه الأيام، ظهروا الينا بعلاقاتهم الاجتماعية الناجحة وبدوا سعيدين بعدد الساعات الطويلة التي يعلمون بها بكل إيجابيّة وشغف، يظهرون لنا بشخصيات مثالية - على العكس تماماً - من الواقع الذي يعيشونه، عن طريق "السوشيال ميديا" يمكن لأي منا أن يحقق شهرته ويبتكر لنفسه هوية مغايرة لحقيقته تماماً، ولا أحد يتشكك به أحد بسبب العقل الجمعي الذي صدّق كل ما هو مطروح على هذه المنصّات.
وتتحدث أمنية رحيم مستغربة، وتقول: قبل أشهر كنت واحدة من متابعات "الانلفونسر" تقوى الخفاجي، والتي تقوم بتوثيق كل ما يخص علاقتها الزوجية، وهي تعبر عن سعادتها مع شريكها لكننا سرعان ما فوجئنا بخبر طلاقهما، ظهرت بوجه حزين، مُرتاب من دون ماكياج ومن دون فلتر تحدثت عن التعاسة التي كانت تعيشها خلال فترة زواجها، مشيرة إلى أن ذلك "لم يكن سوى فبركة للحقيقة والواقع المؤلم بهدف تحقيق مشاهدات عالية".
وتتابع رحيم أنّ "الخفاجي ليست وحدها من غيّرت واقعها، كثيرين ممن ادّعوا حيوات لا تشبه حيواتهم، حتى أن اللعبة أصبحت مكشوفة، والجمهور بدأ تدريجياً مدركاً لهذه الحقيقة". عُلا أحمد، وتعمل موظفة تقول إنّ: روّاد "السوشيال ميديا" تمكّنوا من إقناعنا بأنّهم أصحاب إنجازات كبيرة وهي في الواقع وهميَّة ولا ينفكون إلّا أن يتحدثون عنها، قد أسهمت سلوكياتهم هذه ببث روح اليأس لدى الإنسان الطبيعي الذي يصارع من أجل الحصول على وظيفة عمل محترمة، أو يفكر في افتتاح مشروع بسيط، فمن يعمل سبع إلى ثماني ساعات يومياً، ولا يزال غير قادر على تغطية أجر أبسط مقومات العيش البسيط تؤرقه فكرة تقاضي مشهورة أو "انفلونسر" مبالغ تصل الآلاف الدولارات لإعلان واحد تطرحه على أحد صفحاتها في "السوشيال ميديا". من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية رند الفارس، لـ "الصباح" إنّ "الولوج في العالم الافتراضي سلاح ذو حّدين، فإذا قدمت مواقع التواصل لنا الكثير وأتاح لنا العالم الرقمي الفرصة ومهّد الطريق نحو عالم سريع، إلّا سلبياته لم تعد قابلة للتجاهل، وجسّدت شكلا جديدا للخداع والنفاق والزيف المظهري.
وتثير منصات التواصل الاجتماعي وفقاً للفارس ملفات خطيرة أخرى تظهر لنا بين حين وآخر في وجوه متعددة، فعدا الاستعراض الكاذب الذي يؤثر سلبا في سلوكيات المجتمعات والتميّز القائم على أساس الطبقة الاجتماعيّة، وسوء الفهم هذا يهدد حيوات كثيرين بعد شعورهم بالإحباط واليأس.
في المقابل، يرى علي وحيد طالب، وهو طالب في كلية الحقوق أن الأمر لم يقف عند مشاهيرنا الأعزاء لكن عدوى هذا "الفيروس" تنتشر بين أصدقاؤنا الذين ركبوا هذه الموجة، فعندما تدخل إلى صفحاتهم، تجدهم وجوها لا تشبه وجوههم، إذ صار الكثيرون يعدون حيواتهم مادة دسمة قابلة للنشر على صفحاتهم في "السوشيل ميديا"، كأن يسافر مقابل أن يضع أيام سفره محتوى ترفيهياً، أو تقتني إحداهن كتابا أو عطرا من "الماركة" الفلانيّة كي تضعه حالة على صفحاتها، وهم في أغلب الأحيان يظهرون سُعداء، مُترفين، وجوههم متورّدة ويعتمدون اقتباسات مثاليّة، تُعبر عنهم.