جربة: أ ف ب
في منزله المتواضع بجزيرة جربة جنوب شرق تونس، يوظف سعيد الباروني التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لترميم وحفظ مخطوطات تشكل تراث طائفته الإباضية المسلمة المعتدلة.
يتولى الرجل البالغ 74 عاماً، والمنتمي للطائفة الإسلامية الإباضية، الإشراف على مكتبة عائلته التي توارثتها ستة أجيال، ويخوض سباقا مع الزمن لترميم وحفظ كلّ مخطوط إباضي يمكن أن تقع عليها يداه.
ضمت المكتبة أكثر من 1600 قطعة بعضها يعود إلى العام 1357، وكذلك نصوص وكتب تتناول مواضيع مثل علم التنجيم والطب.
يسعى الباروني لجمع أكثر ما يمكن من المؤلفات التي ظلت متناثرة لقرون بين أجيال الإباضيين الذين مارسو عقيدتهم بعيداً عن الانظار.
ويؤكد الباروني أن “غالبية مخطوطات الإباضيين موجودة في مكتبات عائلية في جربة خشية الاندثار، لكن الكثير منها تم بيعها أو تبادلها بين أشخاص مختلفين”.
وبحسب الروايات التاريخية المتداولة ، هرب الإباضيون من شبه الجزيرة العربية بعد الخلاف حول خلافة الحكم إثر وفاة النبي محمد.
وأوضح أستاذ اللغة والآداب والحضارة العربيّة زهير تغلات، المختص في تاريخ الاباضية: للحفاظ على وجودهم وحمايته، لجؤوا (الاباضيين) لجزيرة جربة ولجبال نفوسة الوعرة في ليبيا ولغرداية في جنوب الجزائر، وحوّلوا هذه المناطق الوعرة إلى مناطق يحلو فيها العيش.
ويضيف: وجدوا أنفسهم أمام خيارين، أما مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية والزوال على غرار سائر الأقليات “الدينية” أو قبول العيش بكتمان وبناء حضارة.
ويتم تنظيف المخطوطات ومسحها ضوئياً للحصول على نسخ رقمية، وهو ما يعتقد الباروني أنه “الحلّ الوحيد اليوم” للحفاظ على النصوص القديمة.
ونظراً لأن أنماط الخطوط العربية القديمة معقدة بعض الشيء وليست سهلة القراءة والفهم، بدأ الباروني في استخدام تطبيق “زنكي”، وهو برنامج ذكاء اصطناعي قادر على تحويل المخطوطات إلى نصوص رقمية قابلة للتعديل.
وهي فضلا عن ذلك وسيلة “لتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى البعض حول موضوعات معينة” على غرار التراث الإباضي.
للاباضيين “تصوّر خاص للمعمار والتوزع المجالي السكني في المدينة، ما عزز ضمّها لتراث اليونسكو”، بحسب الخبير.
وينعكس أسلوب حياتهم البسيط على الهندسة المعمارية لمساجدهم، والتي بعضها موجودة تحت الأرض “لأسباب رمزية وأمنية”، بينما أُنشئت تاريخياً مساجد أخرى على شاطئ البحر لمراقبة وصول سفن العدو.