أوروبا اليمينيّة

العراق 2024/06/10
...

أحمد عبد الحسين

أجريت أمس في 21 دولة، انتخابات البرلمان الأوروبي وسط توقعات مؤكدة بفوز أحزاب اليمين المتطرف فيها والحصول على أكثر من ربع المقاعد.
لن يكون الأمر مفاجئاً، فمنذ شهور يتوقع المراقبون هذه النتيجة وفقاً لمؤشرات أغلبها ذو طابع اقتصاديّ، وأهمها الردود العنيفة التي جابه بها المزارعون ما سمّي بالسياسة الخضراء، وهي السياسة التي أقرّها الاتحاد في السنوات الأخيرة بغية التقليل من انبعاث ثاني أوكسيد الكاربون، لكنها أثقلت كاهل المزارعين وحملتهم ضغوطاً كثيرة، الأمر الذي دعاهم إلى التظاهر مراراً، ومنها التظاهرة الشهيرة بسياراتهم وجراراتهم أمام مقر الاتحاد في بروكسل.
لكنّ هناك أسباباً أخرى لصعود اليمين، أبرزها الموقف تجاه الهجرة الذي كان وما زال المادة الأليفة لجدل سياسيّ وانتخابيّ وإعلاميّ لا يهدأ. وفي هذين الأمرين، الاقتصادي والسياسيّ، يبدو أنّ هوى غالبية الناخبين الأوروبيين يتواءم مع هوى الأحزاب اليمينية التي انتعشت حظوظها على حساب الأحزاب اليسارية والليبرالية وأحزاب البيئة على حد سواء.
المتشائمون يرون أن الطقس السياسي الأوروبي مشابه الآن تماماً لأوروبا الثلاثينات من القرن المنصرم، حين بدأت بوادر الاستدارة الأوروبية إلى اليمين ما أسفر لاحقاً عن صعود هتلر وموسوليني وفرانكو وسالازار إلى منصة الحدث العالمي. بينما يجد متفائلون في هذه الرؤية مبالغة لأنّ اليمين الأوروبي المتطرف هو أقلّ تجانساً مما يشاع عنه ولأن التباينات في الرؤى بينهم هي من الوضوح بحيث يستبعد أن تكون لهم سياسة موحدة تجاه أية قضية من القضايا الكبرى في أوروبا والعالم.
وبالفعل، فإن الحدث الأوروبي الأكبر الآن، أعني به الصراع الروسي الأوكراني، لا يتفق هذا اليمين على موقف موحّد منه، ففي حين يعلن يمين فرنسا بقيادة مارين لوبان عن وقوفه الصريح إلى جانب أوكرانيا، لا تخفي الزعيمة اليمينية الإيطالية جورجيا ميلوني موقفاً هو أقرب إلى التضامن مع بوتين منه إلى الحياد.
ويبدو أن الأمر الأوحد الذي يتسالم عليه يمينيو أوروبا هو موقفهم من المهاجرين، مما ينذر بتصاعد خطاب الكراهية والتشدد في سياسة الإبعاد الموجود أساساً منذ سنوات خلت.
لن يكون لهذه التغييرات أثر في تغيير سياسة أوروبا تجاه ما يهمنا نحن كعرب، فلن نشهد تغييرات في علاقة أوروبا بالصراع الدائر في فلسطين، وهي علاقة منحازة لإسرائيل مع اليمين أو بدونه برغم الانفراجات الأخيرة في مواقف إسبانيا وبلجيكا وسواهما من الدول.