نرمين المفتي
قرأت خبرا قبل فترة عن عدد العاملين في مؤسسات وزارة الكهرباء حوالي 250 الفا! وسمعت عن عيادة خارجية لطب الأسنان أن فيها منظومة واحدة و24 طبيبا وطبيبة أسنان! وما زلنا بانتظار أن تنتهي وزارة التخطيط من رقمنة عدد الموظفين أو العاملين في المؤسسات العامة في العراق.
وكان الناطق باسمها قد صرح لوكالة الانباء العراقية (واع) في السنة الماضية بدء العمل بمنصة الرقم الوظيفي، ونقلت عنه «إتمام إدخال 3 ملايين وخمسمئة ألف موظف».. قطعا أن عدد العاملين في القطاع العام متضخم بشكل غير معقول أو منطقي وكلما ارادت السلطات المختصة ان تتفرغ للعمل، تأتي تظاهرات مطلبية للتعيينات، وهناك فضائيات عراقية ايضا تشير دائما إلى البطالة، وبدل حثها لتشجيع القطاع الخاص والمساهم، تطالب بالتعيينات للعاطلين عن العمل والخريجين.. وتوقفت إلى حين التظاهرات المطلبية في السنة الماضية مع الاعلان عن عشرات الآلاف من التعيينات، مع استمرار تظاهرات المحاضرين المجانيين، الذين يجتمعون قرب مجلس محافظة بغداد بين وقت وآخر، بينما كان الخريجون الذين يزداد عددهم سنويا ينتظرون موازنة 2024 ليعرفوا واستنادا إلى التصريحات الرسمية بأن لا تعيينات حتى نهاية
سنة 2025.
بدءا، أقول إنني لست ضد التعيينات ولكن حين تحتاج المؤسسات لموظفين جدد، ولكن التعيينات التي تسببت بترهل المؤسسات الحكومية والتي وصفتها في مقال نشرته في 2006 ب(تعيينات الأصوات)، أصوات لمرشحي أولى الانتخابات البرلمانية، كارثية على خزينة الدولة وخزينها وبالتالي على حقوق الاجيال القادمة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى حوار تلفزيوني مع وزير المالية حينها، بيان جبر الزبيدي، انتقد من خلاله التعيينات والنسبة المخصصة للرواتب، سواء للموظفين أو للدرجات الخاصة وطبعا النواب، والتي تنهك الموازنة العامة السنوية، وقال إن استمرار ما يجري سيتسبب بإفلاس البلد في 2030. في المقابل استمر المرشحون بحاجة إلى اصوات مهما كانت نتائج التعيينات. واذ لم تستمع السلطات المختصة إلى ذلك التحذير المبكر، استسهل الخريجون الجدد التعيينات، استلام راتب ثابت شهريا ازاء عمل بالكاد يذكر، بدل أن يتظاهروا مطالبين بتنفيذ الوعود التي تتكرر سنة بعد أخرى، بتوفير موارد غير النفط وايجاد فرص عمل والتوقف عن كون العراق بلدا ريعيا يعتمد على النفط فقط وان يتحول إلى بلد صناعي منتج، خاصة أن مقومات الصناعات المختلفة موجودة فيه واهمها الايدي العامة والمواد الخام والاموال، واشدد على الاموال الخاصة. كتبنا مرارا وفي هذا الحيز عن اعادة القطاع المساهم بين القطاعين الخاص والعام.. ثم لماذا لا يلجأ من يغسل أمواله بالعقارات والمطاعم والمولات إلى انشاء معامل وشركات. وللمثال وليس الحصر، في المواسم التي تكثر فيها الخضراوات والتي يضطر سواء المزارع أو البقال إلى بيعها باسعار رخيصة جدا مع نهاية اليوم كي لا تتلف، لو كانت لدينا معامل تعليب كبيرة أو صغيرة في المحافظات المعروفة بمنتجاتها الزراعية. هكذا معامل ستشغل الآلاف من الايدي العاملة الشابة وستعود بالأرباح للمزارع وصاحب رأسالمال وتقلل استيراد المواد الغذائية المعلبة، وبالتالي سيحفظ العملة الصعبة التي تصرف في استيرادها، اي توفير مورد إضافي وان كان محدودا للدولة.
ان حل قضية البطالة ليست حكومية فقط، انما بعض حلها عند الشباب، عليهم التوقف عن التفكير في التعيين في المؤسسات الحكومية واستلام الراتب بسهولة، وعليهم أن يفكروا كيفية البدء بمشاريعهم الخاصة، وهناك تسهيلات حكومية في هذا الصدد ومساعدات من اتحاد الصناعيين سواء لدراسة الجدوى أو بتوفير رأسالمال بصيغة قروض ميسرة، فضلا عن القروض المحدودة أو الصغيرة التي توفرها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للمشاريع الصغيرة. وهناك قنوات على اليوتيوب تبث مشاريع ناجحة بدأها شباب في دول مختلفة وعندنا وبأموال قليلة وهناك قنوات اخرى تطرح امام الشباب افكار رائعة ومربحة لا تحتاج ايضا إلا القليل من المال. نحتاج إلى تخطيط ودراسة السوق وهنا لابد من اعادة النظر بالجامعات وكلياتها وأقسامها والتأكيد على الدراسات التي تفيد السوق في ظل التطور الرقمي، وللمثال فقط، صحيح أن البلد بحاجة إلى اطباء دائما، لكنه ليس بحاجة إلى هذا العدد الكبير من اطباء الأسنان والصيادلة. واخيرًا على الشباب المطالبين بالتعيينات أن يعرفوا ان مطالباتهم هذه ستنتهي بالجميع خلال سنوات معدودة إلى البقاء بلا راتب..