نوزاد حسن
أظن أن هناك حدا لاحتمال مناظر الموت اليومي، الذي تبثه الفضائيات على مدار اليوم وكأنها تريد أن تقول لنا: انظروا ماذا يحدث في غزة.
ثم علينا بعد ذلك أن نرفض ما يجري.
والرفض في حالتنا هو نوع من الغضب ضد كل الانتهاكات التي تقع ويذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء الفلسطينيين العزل، الذين يعيشون نكبة جديدة وباسلوب جديد.
احاول في احيان كثيرة متابعة الاخبار بحذر شديد لكني افقد السيطرة على نفسي بمجرد أن اشاهد طفلا خائفا، أو جريحا ينقل محمولا إلى مستشفى مكتظ أو رجلا مسنا يحاول أن يفهم ما يجري.
تصدمني هذه الصور. أنها عودة لعصر بربري يتأنق ببدلة انيقة. ويعلن ان الحرب هي الحل الذي لا حل غيره.
ويبقى السؤال: ما ذنب الاطفال الذين يسقطون تحت قصف لا يتوقف، ويستهدف كل شيء موجود على الأرض.
ترى هل يتمتع ذلك الجندي الأخرق بأنه، بطل أن تسبب بمقتل طفل.
أو تهديم منزل. ومع مرور الوقت يزداد عدد الضحايا والمشردين أمام انظار العالم، الذي بدأت بعض دوله تقدم اعترافا بفلسطين في خطوة تعاطف بعد ما شاهدوه من تخريب وتدمير لكل شيء.
تحاصرني غزة، ولا يمكنني أن انسى عذاب أطفالها الذين يذكرونني بأعوام حروبنا الطويلة ولياليها المرعبة.
ليل غزة مقلق ومليء بآمال كثيرة، لكن جناح الموت يبسط ظله عليه فيجعله ليلا كابوسيا، بكل ما في الكلمة من معنى.
وحين اقرر متابعة نشرة الاخبار ابدأ بمتابعة من يظهرون خلف المراسل، واراقب حركة المارين في الشارع وافكر بهم.
كيف سيقضون ليلهم؟
وكم واحدا منهم فقد عزيزا؟
وبم يفكر ذلك الجالس على رصيف امام مستشفى مزدحم بالجرحى.
اسئلة كثيرة تشغلني وحزن لا ينتهي يصور لي ظهور عبقري مثل ادوارد سعيد من هذا المكان.
هكذا تحاصرني غزة بكل شيء فيها، فلا أستطيع أن أهرب منها. وأن أطفأت التلفزيون فسرعان ما اعود وكأن صوتا ما يناديني، ويدعوني لمشاركة أولئك المتألمين محنتهم اليومية. وليس امامي سوى ان اعيش قلقهم ومواجهتهم لموت لا يستثني منهم احدا.
إنها الحرب التي بدأت منذ عقود، وفي ظلها يولد الصغار رجالا كما قال احد مثقفي فلسطين.. فلا طفولة هناك، وهذا قدر فلسطيني بامتياز.