الزوجة الثالثة

الصفحة الاخيرة 2019/06/11
...

حسن العاني 
للمدة ما بين قيام أول حكومة عراقية وحتى عام 1968 لم نكن نمتلك أيّ محلل سياسي، بل كانت لدينا بدائل أهمها (التعليق السياسي) في الاذاعة والذي يأتي مباشرة بعد نشرة اخبار الساعة الثامنة مساء، وكذلك (المقالة السياسية) واحياناً (الافتتاحية) وهي من اختصاص الصحافة، اما بين اعوام (1968 - 2003) فأصبح لدينا مع (التعليق والمقالة والافتتاحية) قرابة عشرين محللاً سياسياً، في حين شهد العراق ما بين (2003 - 2019) انحسار (التعليق والافتتاحية) مع ظهور اكثر من عشرين الف محلل سياسي، وهو الامر الذي جعلني أتوهم – بسبب سذاجتي- أن أسهل شيءٍ في البلد هو الحصول على فرصة محلل سياسي، إذ يكفي أنّه يقرأ ويكتب، او بحوزته عنوان مهم من العناوين الرسمية او السياسية او الحزبية، في حين عرفت في وقت متأخر جداً، وبعد فوات الأوان، أنّ المحلل السياسي لن يتشرّف بحمل هذا التوصيف إلّا بعد ثلاثين سنة ويزيد من القراءة والمتابعة والملاحظة والثقافة العامة، هذا غير إلمام عام بشتى علوم الفلسفة والتاريخ والجغرافية والتربية والاجتماع، وإلمام خاص بعلوم السياسة والاقتصاد الى جانب الفطنة والنباهة مع نسبة ذكاء عالية.
سذاجتي او افكاري السطحية هي التي اوقعتني في ورطة عندما استسهلتُ عمل المحلل السياسي ونشرت مقالة صحفية تحليلية في عام (2003) زعمت فيها أنّ قوات الاحتلال لن تغادر البلد إلّا في عام (2009)، وبالطبع لم يكن اختياري للعام (2009) قائماً على أية معلومات او استنتاجات او معطيات، إنما اردت المبالغة، والذي حصل بعد نشر هذا التحليل هو اتخاذي قراراً صارماً بعدم الاقتراب من التحليل وتطليق السياسة بالثلاثة، لان الاطراف العراقية وغير العراقية جميعها (بهذلتني)، والاسوأ ان اليميني واليساري والمعمم والعلماني والعميل والوطني توحدوا واتفقوا على إدانتي، فقد اتهمني (الاميركان وانصارهم ومؤيدوهم) بأنني أمير من أمراء القاعدة وأروّج للفكر الارهابي الخبيث الذي يزعم بأنّ قوات الاحتلال ستبقى سنوات طويلة، بينما في الواقع – كما كانوا يقولون – هي على أبواب المغادرة التي إن طالت فلن تطول الى نهاية عام (2003) أو بداية العام المقبل. 
(عصابات القاعدة والارهابيون والمقاومة بفرعيها الشريف وغير الشريف)، كان لهم سبب آخر في ادانتي، ووجهوا لي بدورهم تهمة من الوزن الثقيل عندما زعموا بأنني أتحدث بلغة المحتلين، ولم يستبعدوا ان اكون عميلاً لاميركا، لكوني أتحدث بلسان الاحتلال ولغته، وامهد لبقائه الى عام 2009، وتلقيت يومها عشرات التهديدات من شتى الاطراف بعضها يتوعدني بالقتل، ولهذا غادرت سراً الى اربيل ومكثت 3 أشهر عند زوجتي الثانية التي كانت في قمة السعادة وشجعتني على أن اكون محللاً سياسياً، ولكنني لحسن الحظ فطنت الى كيدها النسوي...
قبل أسبوع ساورتني نفسي الامارة بالسوء أن أعود الى التحليل السياسي واكتب مقالة أقول فيها (من باب المبالغة كذلك) ان اميركا لن تغادر العراق الا في عام (2022) لولا إنني تذكّرت بان العراق في عام 2003 كان من دون حكومة، اما الان فتقوده حكومة قوية قادرة ان تعثر على المواطن حتى لو اختبأ عند زوجته الثالثة!!