هدى عبد الحر
قبل فترة ليست بالقصيرة اتصلت بي إحدى الصديقات المُقبلات على الزواج وطلبت منّي برنامجا أو تطبيقا في الهاتف النقال يحتوي على أرقام مطاعم راقية تمتلك خدمة التوصيل، فلما استفهمت منها عن السبب.. قالت "إنه أمر ضروري، فعشاء ليلة العرس لا بدّ أن يكون مميزا"، فلما استغربت: عشاء العرس دلفري؟، أخبرتني ضاحكة: الزمن تغير!.
أتذكّرُ أن تحضيرات الزواج قديمًا تتخللها الكثير من الأمور والتفاصيل المملّة والطويلة لعل منها طعام ليلة العرس المسمّى في النجف (تمتوعة) والذي يكون عادة دجاجة أو بطة شرط أن تكون كاملة غير مقطعة، لا مشوية ولا مقلية مع بعض المقبلات والفواكه والعصائر والمكسرات. وتتولى عائلة الزوجة تقديمه عادة.. والعروس قُبيل زواجها وبعدها بأيام تصبح كائنا أثيريا ينظر لها الجميع نظرة مختلفة، فمن عادات بعض العوائل أن العروس تختفي عن الأنظار قبل زواجها حتى لا يراها أحد خاصة بعد أول عميلة تزيين (حفّ) الوجنات والوجه والحواجب إذ كان هذا الأمر ممنوعا على البنات قبل الزواج، ولكن الآن كل شيء تغير وصار الأمر طبيعيا لا تنتقد من تفعله بعمر معين، وكل ذلك من نتاج التغيرات في البنية الاجتماعية وتأثير وسائل الاعلام التي دخلت في صلب العلاقات العائليّة وجعلت من الأمور التي كانت تعتبر من التابوات الاجتماعية المحظورة، أمورا عادية جدا تحصل بكل سلاسة وتمرّ مرور الكرام .
وبالعودة إلى عشاء العرس فإنّه يكون ذا خصوصية، لأنّه الاجتماع الأول بين الزوجين على مائدة واحدة. ومنه سيعرف العريس بعض عادات الزوجة في الأكل، على الرغم من أن التكلّف سيكون حاضرا بقوة بينهما لأنّ الأكل من الأمور التي تستوجب الاتكيت الشديد. لكن الآن، وكما تقول صديقتي كلّ شيء تغيّر فيمكن أن يطلب العرسان الجدد "البيتزا والببسي أو الكنتاكي أو البركر أو الريزو" ويمكن جدا أن يختلفا بين "السبياسي" والعادي أو بين "الكجب والصاص" .. وسيأكلان من دون تكلف لأنّ الحياة ونسقها الذي ألغى الكثير من الخصوصيات صارت تتقبّل هذه التفاصيل والاختلافات والنقاشات والواقعية .
في طفولتنا كانت أمي عندنا تصبّ الشاي لنا، تضع الكثير من الماء الساخن والقليل من الشاي.. وتقول لنا في محاولة لتسويغ اللون الباهت للشاي (إنه شاي العروس) لأنّ الشاي الثقيل كما كان يعتقد الأهل مضر بصحة الطفل؛ لذا يعمد إلى خلطه بالماء الساخن وهو مضر فعلا. وما بين عشاء العروس وشاي العروس وتطبيقات الطلبات صارت الحياة تفرض أحكامها علينا وتحولنا من حال إلى حال.
