رسالة إلهيَّة ووصيَّة نبويَّة خالدة

آراء 2024/06/23
...

 سيف ضياء

يطل علينا «عيد الله الأكبر» كل عام حاملاً معه ذكرى عظيمة، و حدثاً تاريخياً مفصلياً، تجسد ملامحه اكتمال الدين الإسلامي ورسالة نبيه الكريم محمد «صلى الله عليه وآله وسلم»، إذ يحتل اليوم 18 من ذي الحجة من كل عام هجري مكانة مرموقة في تاريخ الإسلام، فهو ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو يوم تجسد فيه إكمال الدين الحنيف وتثبت أركانه وتمام النعمة،

 ويوم حسم فيه مسار الأمة وضمن استمرار رسالتها الخالدة، بعد رحيل نبيها الكريم، في هذا اليوم المشهود من السنة العاشرة للهجرة، وتحديداً في حجة الوداع، التي اجتمع المسلمون من كل حدب وصوب لأداء فريضة الحج، وخلال عودتهم، توقف النبي محمد «صلى الله عليه وسلم} في منطقة «غدير خم» الواقعة بين مكة والمدينة، وذلك بأمر إلهيٍ واضح عند نزول آية التبليغ: «يا أَيها الرَسول بلغ مَا أنزل إِليك من ربك وإِن لَم تفعَل فَما بلغت رِسَالَته وَاللَّه يَعصمك من الناس»؛ لذا وقف «صلى الله عليه وآله وسلم» هناك على مشارف المدينة المنورة، إذ نطق بخطبة خالدة حفرت كلماتها في ذاكرة التاريخ، لينصب فيها خليفته ووصيه، إمام الأمة وقائدها من بعده، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قائلاً: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، تأكيداً على مكانة الإمامة كأصل من أصول الدين، وامتداداً للنبوة، وسياجا منيعاً ضد التحريف والتأويل، إذ يمثل اوصياء الأنبياء عليهم السلام حلقة وصل بين الرسالة الإلهية وأتباعها، فدورهم لا يقتصر على نقل الشريعة فحسب، بل يشمل أيضاً صيانتها من التحريف، وضمان استمراريتها، وتطبيقها عملياً على أرض الواقع، وتجسد هذه المسؤولية الجسيمة قيمة عظيمة للأوصياء تعادل قيمة الرسالة نفسها، فكما أن النبي يرسل بتبليغ الدين الحنيف، فإن وصيه يكلف بحفظه وتطبيقه، ليكملا معاً مسيرة هداية البشرية، وهذا ما اكد عليه  رسول الرحمة «صلى الله عليه وآله وسلم» من خلال ربطه بين القرآن والعترة في حديث الثقلين، إذ يؤكد لأمته مدى ترابط الولاية والنبوة، وأن إحداهما لا تكمل دون الأخرى، فكما أن القرآن هو مصدر التشريع الإسلامي، فإن العترة الطاهرة هم من يفسرونه ويطبقونه عملياً، فهم بمثابة حراس الدين وضامنو استمراريته، لذلك يكتسب هذا اليوم أهمية استثنائية في تاريخ الإسلام، فهو ليس مجرد حدث عادي مر على الأمة بل مثل علامة فارقة وحدث مفصلي حدد مسار الإسلام ومستقبله، إذ اكتسب أهميته من دلالاته العميقة في رسم خارطة الطريق للأمة على مر العصور، ونذكر منها تأكيد الواقعة على ولاية علي بن أبي طالب كخليفة للنبي الكريم، وامتداد لرسالته، وصيانة للشرع، وحافظا على بقاء الإسلام واستمراريته، بالاضافة إلى إكمال الدين من الناحية النظرية والعملية، وجعله منهجاً كاملاً مرضياً عند الله، كما وساهمت واقعة الغديرِ في حفظ رسالة السماء وديمومتها واستمراريتها، ومنع الاختلاف بعد رحيل سيد الخلق محمد « صل الله عليه وآله وسلم «، إذ مثل يوم الغدير رمزاً لوحدة المسلمين، ودعوة لهم للتمسك بالقيم الإسلامية الأصيلة، والسعي لتحقيق العدل والمساواة. 

وفي نهاية المطاف يمكن القول إن يوم غدير خم، عيد الله الأكبر ويوم الإنسانية جمعاء ويوم عظيمٌ للمسلمين، ليس فقط لأنه يوم إعلان ولاية الامام علي بن أبي طالب « عليه السلام «، بل لأنه يوم أكمل الله فيه دينه، وأتم نعمته، ورضي للإسلام ديناً، فهو يوم الله، لأنه يوم تم فيه امتثال أمر الله بتبليغ رسالته، وهو يوم رسول الله، لأنه يوم أكمل فيه رحمته للبشرية، وضمن سعادتها واستقرارها، وهو يوم الإنسانية، الغاية التي بعث الله تعالى الأنبياء من أجلها،المتمثلة بقيام الناس بالقسط والعدل، لذا تعد الواقعة من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام، فهي التي أكملت الدين، ووضحت مسار الأمة بعد وفاة النبي، وحفظت رسالة السماء من التحريف، ومن هذا المنطلق، فلنحيي هذه الذكرى المباركة و دلالاتها. العميقة بإعادة النظر في سلوكنا وتقويم مسيرتنا، ولنسعى جاهدين لاتباع تعاليم الإسلام والتمسك بولاية أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، والسعي لتحقيق العدل والمساواة في المجتمع.