الغدير وتأسيس الدولة العراقيَّة المعاصرة

آراء 2024/06/23
...

 عبد الله حميد العتابي 


اقترن بناء الدولة العراقية المعاصرة بيوم الغدير الأغر، ففي هذا اليوم المبارك تم تتويج فيصل ملكا على العراق، وتم تحديد القشلة الحالية مكانا للاحتفال بالتتويج، لكونها مقرا للحكومة ووزارتها وتحيط بها الدوائر الحكومية بما فيها سراي الحكومة وحدد يوم الثلاثاء المصادف في التقويم الهجري يوم عيد الاغر 18 من شهر ذي الحجة عام 1339 هجري والذي صادف يوم 23 آب من عام 1921 . 

ولنا ان نتساءل لماذا انتظر الامير فيصل بن الحسين بحدود الشهرين ليتوج ملكا على العراق بهذا اليوم المبارك؟ لا أجانب الحقيقة اذا ما قلت ان فيصل الأول قد قرأ التاريخ جيدا وآمن ببيعة الغدير وقداسة هذا اليوم، مثلما عرف حقيقة ان الامام علي عليه السلام هو الذي نقل مقر الخلافة الإسلامية من الجزيرة العربية إلى العراق، لتصبح الكوفة وبغداد لاحقا اعظم امبراطوريات العالم في العصور الوسطى تشع بنور المعرفة والعلم ارجاء أوروبا القابعة في ظلمات الجهل.

كان الامام علي ينشد اذا اشرف على الكوفة ( يا حبذا مقالنا في الكوفة...... أرض سواء سهلة معروفة) واختص امير المؤمنين العراقيين بقوله» انتم الأنصار على الحق والاخوان في الدين والجنن يوم اليأس والباطنة دون الناس بكم اضرب المدبر وارجو طاعة المقبل». 

لقد كان واضحا لدى الملك فيصل الأول مؤسس الدولة العراقية المعاصرة الاعتبار من عيد الغدير واهمية هذا العيد في الذاكرة الجمعية العراقية، ومن الدروس التي استخلصها الملك فيصل بن الحسين أهمية الإعلان الواضح والعلني لتعيين القادة والملوك والحكام على وجه الوضوح والشفافية ومن المهم ان يتم توجيه وإعلان السلطة والقيادة بشكل كامل وعلني لتجنب الفوضى والتراشق السياسي .

لقد اجتمعت في الامام علي القيادة الروحية للعراقيين والمسلمين فقد كان رمزا وطنيا تاريخيا وحاكما اسطوريا حكيما، وشخصية مميزة وفريدة ونادرة من نوعها وفارسا مغوارا وحاميا للعراق والعراقيين، فقد بذل عمره من اجل العراق والعراقيين، فضلا عن المسلمين والمظلومين والمستضعفين، ليس هذا فحسب، فقد كان الإمام علي قدوة للعراقيين والمسلمين في الايمان والعبادة والأخلاق، ويجب أن يكون القائد مثالا حيا للقيم الروحية 

والأخلاقية . 

كان من الواضح ان الغدير الاغر علمنا أهمية هذه الوحدة بين المسلمين اذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الغدير جموع المسلمين يلتفون ويتعاهدون على ولاية وقيادة علي بن ابي طالب، وهذا يعكس ضرورة تعزيز الوحدة والتضامن بين المسلمين وتجاوز الخلافات السياسية والطائفية، فليس ثمة من شك ان الامام علي معروف بعدالته ومساواته في التعامل مع الناس في المجتمع سواء في التعامل مع الأفراد أو توزيع الموارد أو إدارة الدولة .