{غدير خم}.. عندما اكتمل الدين وتمَّت النعم

ريبورتاج 2024/06/23
...

   بدور العامري


حديث الغدير

ونحن الآن ليس بصدد تفسير كيف أن الإمام علي هو الإنسانية والروح الاصيلة للإسلام، بقدر ما نعرج على أهم دلالات يوم الغدير معانيه، كما يروي لنا الشيخ الأميني حديث الغدير في جزء منه "أما بعد الا أيها الناس أنى قد دعيت ويوشك أن أجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ثم قال: أن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة، وأخذ بيد علي بن أبي طالب وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وازواجي امهاتهم فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ مَن عاداهُ"، نزول اية "يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت الرسالة "ذكر مفسرو المذهبين أن الآية نزلت بعد حجة الوداع، وقيل تحديدا في غدير خم، اذ لا يمكن تفسير الآية بتبليغ أحكام الدين فهي نفس الرسالة لا أمر آخر. 


مقتطفات

من بين أروقة محاضرات المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي، بعض المقتطفات من خطبة الغدير حيث يقول، قال رسول الله (ص) يوم غدير خم من خطبة مفصلة، نصب فيها علي بن ابي طالب (عليه السلام) خليفة وإماما من بعده: فأوحي الي "يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك" في علي ويعني في الخلافة لعلي بن ابي طالب "وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" معاشر الناس، ما قصرت في تبليغ ما انزل الله تعالى الي، وانا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: ان جبريل عليه السلام هبط الي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام، أن أقوم في هذا المشهد، فاعلم كل أبيض واسود: أن علي بن ابي طالب اخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وهو وليكم بعد الله ورسوله، وقد انزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " وعلي ابن طالب أقام الصلاة وأتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.


إكمال الدين

لقد انزل الله تعالى في يوم الغدير الآية الكريمة "اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" وقال رسول الله (ص) عن هذا اليوم: وهو اليوم الذي اكمل فيه الله الدين واتمم على أمتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام دينا، وهذا معناه أنه بإعلان ولاية امير المؤمنين علي (عليه السلام) كفريضة من الله تعالى على المسلمين، يكون قد كمل الإسلام، وبه تمت نعمه تعالى على الخلق، ومنه يمكن أن نستخلص أن الغدير آخر الفرائض، وروي عن الامام أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) إنه قال آخر فريضة انزلها الله هي (الولاية)، فلم يُنزَل من الفرائض شيء بعدها حتى قبض الله رسوله، وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضا قوله "وكانت الفرائض ينزل منها شيء بعد شيء، اذ تنزل الفريضة ثم تنزل الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عز وجل "اليوم أكملت... "والقصد هنا ان الله تعالى يقول لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة، قد أكملت لكم الفرائض" إذا علمنا أن الله سبحانه وتعالى، قد أوحى بالأحكام والواجبات الواحدة تلو الأخرى حتى ختمها بالولاية، فأنزل هذه الآية "اليوم أكملت.."، ليعلن أن لا فريضة بعدها، فبعد نزولها وتنصيب امير المؤمنين (سلام الله عليه) خليفة لرسول الله، أدرك الناس مراد الله تعالى من الآية الكريمة" واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم". 


تمام النعم

 وفي تفسير ابن ابي حاتم الرازي يقول: من المثير للانتباه في الآية الكريمة "اليوم أكملت لكم دينكم واتمتت عليكم نعمتي .." إن الله تعالى قد ربط اتمام نعمته على الخلق بموضوع الولاية، أي كما ان كمال الدين يتحقق بالولاية لمحمد وآل محمد (عليهم السلام) كذلك فإن بهم تمام النعمة على المسلمين، والمقصود بالنعمة في الآية هي جميع النعم ظاهرها وباطنها، كالعدل والمساواة والاتحاد والاخوة والعلم والأخلاق والطمأنينة النفسية والروحية والحرية، وبعبارة موجزة جميع أنواع العطايا، وتابع الرازي "ولأن الآية لم تتطرق لمسألة اصل النعمة، بل سياقها يدور حول إتمام النعمة، أي جميع أنواع النعم، ومن هنا نستطيع معرفة العلاقة المباشرة بين ولاية امير المؤمنين علي (عليه السلام)، والتمتع بالنعم الدنيوية المشروعة، وذلك لمحورية الولاية العلوية باعتبارها احد الشروط المهمة والرئيسية للوصول بنا الى مجتمع قائم على أساس الحرية والعدالة والقيم والفضائل الأخلاقية والإنسانية، لذا يحتم الواجب أن نسلم لما بلغ به رسول الله في يوم الغدير، وان نقبل عمليا بولاية امير المؤمنين علي (ع).


المكان والزمان

الشيخ علي آل محسن، يجيب عن أسئلة بعض السائلين حول لماذا غدير خم وفي ذاك الزمان بالتحديد؟ ليقول: ان اختيار المكان كان من الله سبحانه وتعالى، ولاشك ان هناك حكمة في ذلك قد نعرف القليل منها ونجهل الكثير، لكننا نحتمل أن السبب في ذلك أن غدير خم كان على مفترق طرق، وكانت غاية النبي (ص) هي اخبار الناس بولاية امير المؤمنين (عليه السلام)، ثم بعد ذلك يتفرق الناس إلى بلادهم، فلا يتواطؤون على مخالفة أمر النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، إضافة إلى أن من المعلوم المشاهد أن من خواص موضع غدير خم أن الصوت يسمع في جميع أرجاء هذا المكان، وهذا ما أخبر به الثقاة، الذين زاروا هذا المكان، وتابع الشيخ علي في توصيف هذا المكان المبارك، اذ يقول "إن النبي (ص) أراد إيصال صوته إلى آلاف مؤلفة من الصحابة، ولو أراد أن يقول ما قال في موضع آخر غير غدير خم، لعل أكثر الحاضرين كانوا لا يسمعون شيئا مما قاله النبي، واما اختيار الزمان في أن يكون هذا التبليغ بعد انتهاء مناسك الحج، فلعل مقتضى الحكمة في ذلك أن الإعلان بهذا الامر بعد الحج يمنع انشغال الناس به عن أداء مناسكهم، فلو طرحه أثناء مراسم الحج لعل الناس ينشغلون به عن أداء فريضتهم، في الوقت الذي سيجد فيه المنافقين فرصة لإفشال الحج الأخير في حياة الرسول (عليه الصلاة والسلام)، كذلك أريد لهذا الأمر أن يكون حدث الساعة، الذي ينقله الناس إلى أهاليهم وإلى بلادهم بعد الرجوع من الحج.