عن ثورة العشرين

الصفحة الاخيرة 2024/06/23
...

محمد غازي الأخرس
منذ أسبوع والعراقيون في الفيسبوك منقسمون حول ثورة العشرين، من الذين فجروها، ومن تمنوا أن يطفئوها من بني جلدتهم؟، من حاولوا سرقتها من أصحابها؟، وهل يتوجب إعادة النظر بها كحدث مؤسس من أحداث أمتنا العراقيّة؟، اختلاف اعتدناه منذ عقود وعقود، ولئن كنا نتجادل حوله همساً أيام القمع خوفاً من سياط الجلّاد، فإنّنا اليوم نصرخ بآرائنا حولها وحول غيرها، وهذا أحد أعظم مكتسباتنا التي ربحناها من التغيير "المأكول المذموم".

إذن، فثورة العشرين مناسبة جديدة قديمة لتفجير خلافاتنا الطائفيَّة والجهويَّة التي شبعنا منها. 

وقبل ذلك، هي حدث جدلي بامتياز، وتتأرجح دائماً بين موقفين ثقافيين؛ موقف التبجيل والتقديس باعتبارها ثورة شعبيَّة رسمت الطريق لاكتشاف الهوية الوطنيَّة، وموقف التبخيس والتحقير من ناحية أنّها مجرد حركة تمرّد عشائريَّة مبعثها صراع شيوخ مع الإنكليز على الجبايات والضرائب، ولا شأن لها بالوطنيَّة من بعيد ولا من قريب. 

الرأيان شائعان ولهما أنصار كثر.

أما أنا فلم أشترك بالجدل رغم أنني سبق أن كتبت بضعة انطباعات عن الثورة في الماضي.

لماذا لم أقل كلمتي؟

ببساطة لأنني لم أكون حولها رؤية منتهية، مع أنني قرأت الكثير عنها. 

ما زلت أعتقد أنه بإمكاني قراءة المزيد مما لم أقرأه حولها، والاطلاع على ما لم أطلع عليه بعد من أسرارها.

عدا ذلك، ثمة ما أعاني منه منذ سنوات، وهو أنني لا أستقرُّ على رأي ثابت تجاه الأحداث المفصليَّة الكبرى، وغالباً ما أراجع آرائي ومتبنياتي حولها، وفقاً لما يتجدّد من معلومات وأفكار مما يطاله عقلي الجائع. 

هل هذا شيء جيد أم سيء؟

لا أدري، لكنني أشعر أنه شيء جيد. 

بمعنى أنه حين تتزحزح بعض رؤى المرء ويصبح أكثر مرونة مما كان عليه، بحسب ما يطرأ من تغييرات على أفكاره، فهذا يعني أنه لن يعود هو نفسه. 

وإنني لأعجب هنا من اليقينيين من ذوي الرؤى المنتهية حول أي موضوع، فهذا تحجّر وأي تحجر، وينافي ناموس الفكر السليم من حيث أنه تغير دائم. 

قبل فترة، صارحت أحد الأصدقاء بأنني صرت حين أقرأ بعض آرائي قبل عشرين عاماً أبتسم من مقدار تطرفها وحدتها، ثم شبهت له مسيرة الإنسان السوي فكريَّاً، لا الدوغمائي، بكونها أقرب ما تكون بمسيرة الفرس في رقعة الشطرنج، فهو ينتقل من هذه المنطقة إلى تلك بشكل دراماتيكي أحياناً.

وفي المحصلة، مثل هذا الإنسان يبدو فكره كالمياه التي تجري في نهر هيرقليدس الشهير: أنت لا تنزل إلى النهر نفسه مرتين، لأن المياه ليست هي ذاتها. 

كذلك رؤى ومواقف المرء، لأن الأفكار المكونة لها تجري كمياه النهر.

والآن، ما موقفي من ثورة العشرين؟

بيني وبينكم، لست مهيئاً للخوض في الحدث وتقييمه الآن. دعوني أستمتع بالجدل العراقي العنيف حولها. دعوني أجد فرصة للاستزادة من وثائقها، ولعلّي أصل لرأي فيها بعد حين.