رواية صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة لـلروائي عبد الزهرة علي فاز بها كاتبها ضمن المسابقة الابداعية للدار عام 2012 في الدورة الخامسة، هي رواية تتحدث عن ظلم المرأة في السجون العراقية وما عانته من ضياع وتهميش مارسته سلطة النظام الدكتاتوري الصدامي ضدها، بل هي رواية تجهش بصوت المرأة الذي ضاع طويلا في كتمان موجع لما كان يستباح من جسدها وانتهاك
لعذريتها.
عتبة البدء
« اوراق سيدة الشجر» عنوان مركب من ـ اوراق ـ وهي كناية عن كتابة التاريخ او المذكرات لتكون حاضنة لهموم (سلمى) بطلة الرواية و ـ سيدة الشجرـ رمزا لايخفى للمرأة بشكلها العام المكون للعائلات والاسر في نصفه الانثوي فما معروف لدينا اطلاق اسم شجرة كناية عن التفرعات المتصلة بعائلة ما من نسب وقرابة وتأسيسا على ذلك وبناءً على اعطاء بعدا ادبيا وابداعياً لمسمى الرواية تكون اوراق سلمى هي اوراق عدة نساء تكونت من ارحامهن عائلات واسر واشجار، ووفقاً لهذا يكوّن العنوان (ثريا)النص وتتشكل خصائص ذاتية وتأريخية تنفتح على اضافة - حكايات ـ اشارة ومتنا ، لذا فروافد النص الداخلية تجاوبت مع الاشارة في العنوان مشكلة بنية سياقية عبر المرويات والوقائع .
ما يعلنه النَّص السَّردي
خرجت سلمى منتصرة من سجون الظلم ايام حكم النظام البائد لتحكي لنا عبر الورقة الاولى الى الورقة الثالثة والعشرون عن (لينة محمد وسميرة عودة ومحاسن وشيرين وسعدية وانتصار ووصال وفريال...) وجميعهن رزخنَ تحت وطأة ظلم مميت للانسانية والضمير، فلو وضعت معاناتهن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من هول ما مررن به من احزان. اتخذ الراوي هذا الاسلوب في كتابة الرواية لتدل كل ورقة على مرحلة زمنية في حياة سلمى ربما تمتد عبر الورقة لعدة سنين، لكن الملاحظ ان هذا التعامل الواقعي مع الاحداث قد ازاح بعض الثوابت ليؤسس مناحي اخرى في الرواية اعتمادا على المخيلة السردية بوصفها رافدا مهما واساسيا يعكس رؤيا الواقعة ويحقق توازن هذه الرؤيا مع الذات إذ ان هناك ضياعات وخسارات في حياة سلمى تتمثل في الحب والعائلةَ, ضاعت منها رغما عنها؛ يعني بتعبير اخر ضاعت ولم تضيعها فهي بعد ان تكمل لنا صياغة الملاحقات والمحاكم التي خاضتها يتم اكتشاف التعبير عن الواقع العراقي المعاش في علاقاته المتشابكة , في اطار رمزي لعلاقات متعددة تتمحور حول الظلم الذي يمارس في السجون وضرورة الخروج منه والبحث عن الفعل التاريخي الذي يدين حالات الخلاص الفردي.
ولما كانت الرواية صورة فنية لشبهها بالحياة فلا بد ان يكون للزمن وجوده الفاعل فيها، ومن هنا ترتبط الحكاية بالزمن ارتباطا وثيقا، فهو بمثابة الايقاع الذي يضبط احداثها والشاهد الحي على مصير شخصياتها، والعنصر الفاعل الذي يغذي حركة الصراع الدرامي فيها فبعد اغتيال باسل زوج سلمى بسبب مبادئه وتضحياته المرسخة لحزب ما ينتمي اليه ويدافع بصدق من اجله حتى خسرانه لحياته، تبدأ انتقالة للزمن في حياة سلمى لتدخلها في صومعة من الحزن تكابدها وحيدة، الا انها تخرج منها وقد اشتدت عزيمتها اكثر لمواصلة الحياة والاتصال بالناس وكان ذلك قبل سقوط الدكتاتور اما بعد ذلك فقد بدأت الحياة لدى سلمى تستبدل لها الخوف بالقلق وهذا الحال الذي واجهه العراقيين جميعا بعد عام 2003 والاحتلال الامريكي للعراق فالخسارات تتجدد بشكل اخر والمفاهيم بقيت مضللة في اذهان الناس وهذا التضليل يمثله الشخصيتان (قاسم المطيرجي) وجارة سلمى(ام اثير) لتعكس الرواية باسلوب ادبي ما آل اليه المجتمع العراقي من تحولات وما مر به من احداث ومن انقلابات الى حروب وحصار واحتلال وانعكاس تلك الاحداث على الانسان العراقي وتردي احوال الناس والانحطاط في الاخلاق والقيم وكثرة الصفقات الوهمية التي ينتفع منها المنتفعين بما يطمحون اليه من امتيازات بدون استحقاق.
مما سبق اريد القول ان الروائي قد نجح في الربط بين اكثر من زمان ومكان ضمن كتابة اعتمدت فيها التوازي بين احداث تعمق الاحساس بالوحدة والخذلان ويوازيه في هذا الوأد للمشاعر واقعيا وما قتل من احلام خيالياً ويكون ذلك بتلاحق عدة اوضاع حكائية اساسها التغيير السريع للامكنة او تغيير المشاهد التي تكون اطارا للقاء او حوار بين شخصين او اكثر ومن الحوارات التي تثبت ذلك التقاء سلمى بفريال تلك السجينة المسيحية التي سجنت ظلما ليدور الحوار بينهما كاشفا عن حجم المأساة التي طالت اماني الاطفال ، يظهرها الروائي ضمن جدلية تراكم اللون الاسود في الحياة وما يوازيه من اشارات مبتكرة تفتح افاقا اكثر لتستوعب حيثيات الاتحاد بالاشياء والرموز كتوزيع الدمى على الاطفال بعد الخروج من ازمة السجن، هذا غير قصة ارتباط سلمى بذلك الرجل السبعيني المثقف الذي تدور رحى السرد ازاءه لتتبنى الرواية من خلاله الطرح العام للمثقفين كافة وتعبر عن آلامهم وآمالهم بكل صدق واحساس مرهف.