المخدرات.. وسيلة الشباب لطرد اليأس

منصة 2024/06/27
...

المخدرات.. أخطر من الإرهاب

احتفل العالم يوم أمس (26 حزيران) الحالي باليوم العالمي (لمكافحة استخدام المخدرات والاتجار غير المشروع بها من أجل تعزيز العمل والتعاون من أجل تحقيق هدف إقامة مجتمع دولي خال من استخدام المخدرات).
حظيت ظاهرة تعاطي المخدرات باهتمام علماء النفس والاجتماع والقانون وصنّاع السياسة، لما تحدثه من تحللٍ للقيم وتدميرٍ للأخلاق، ولأنَّ انتشارها بين سكان أي شعبٍ يؤدي ليس فقط إلى الإضرار بالصحة الجسديَّة والنفسيَّة للمتعاطين لها، بل إنها تؤخر أو تعرقل منجزات الدولة وخططها التنمويَّة، وتضعف أمنها الداخلي والخارجي أيضاً حين توظّف المافيا الدوليَّة للمخدرات في قضايا سياسيَّة تكون الدولة منشغلة عنها بقضايا تعدُّها أخطر مثل الإرهاب وما حصل، يوثقه تصريحٌ حديثٌ لضابطٍ في مكافحة المخدرات بوزارة الداخليَّة، يؤكد أنَّ مخاطر المخدرات في العراق صارت توازي تهديدات الإرهاب بعد أنْ استطاع المهربون تطوير طرائق تهريبهم للمخدرات باستخدام طائرات شراعيَّة تسمى (درون) لتصبح تجارة المخدرات تأتي بالمرتبة الثالثة بعد تجارة النفط والسلاح باعتراف نائب برلماني من البصرة. ومن مفارقات ما حصل أنَّ المديريَّة العامَّة لمكافحة المخدرات ألقت القبض في العام 2020 على 7500 شخصٍ متهمٍ بقضايا مخدرات، ارتفع في العام 2021 الى 13 ألف شخصٍ، ليصل الى 14 ألف شخصٍ في عشرة أشهر من العام 2022. وارتفع عدد المتعاطين والمدمنين على المخدرات الى 4500 شخصٍ في العام 2022 أغلبهم بأعمار تتراوح بين 15 الى 30 سنة. ووصلت الحال بعد 2018 الى مواجهاتٍ ومصادماتٍ مسلحة بين الشرطة وتجار المخدرات في مدن جنوب العراق بشكلٍ خاصٍ ذهب ضحيتها شهداءٌ من القوى الأمنيَّة، بينما كانت العمليات الأمنيَّة قبل خمس سنوات تنتهي بالقبض على المجرمين من دون إطلاق رصاصة واحدة.


اليأس.. أحد أهم الأسباب

كنا تابعنا من 2003 واقع حال المخدرات في العراق يومَ كانت تباعُ علناً في شوارع بغداد، ومن دراستنا الميدانيَّة لأسباب تعاطي الشباب للمخدرات توصلنا الى ما يمكن عدّه نظريَّة عراقيَّة أسميناها (نظريَّة التيئيس الهروبي). تقوم على حيثيات واقعيَّة؛ هي أنَّ شبابنا تعرضوا الى البطالة بضمنهم حملة شهادات جامعيَّة، فطالبوا في 2006 بوظائف تؤمن لهم حياة كريمة وبناء أسرة، ولأنهم وجدوا أنَّ الوطن يمرُّ في أكثر من محنة، فقد صبروا خمس سنوات، ثم خمساً أخرى من دون حل، فخلصنا الى أنَّ النظام السياسي حين يكون ولاّد أزمات فإنَّ الإنسان يمرُّ بعمليَّة نفسيَّة دائريَّة بين: أزمة، انفراج، أزمة، تفضي به الى تيئيسه من أنَّه؛ أي (النظام) عاجزٌ عن تأمين حاجاته.

وكنت التقيت بعددٍ منهم فسألتهم.. ليش؟، فأجابوا: نريد أنْ ننسى حياة تعسة. وهذا صحيح، لأنَّ فعل المخدر هو جعل متعاطيه ينسى واقعه ويخلق له عالماً خيالياً من الفرفشة والضحك والرقص حتى مطلع الفجر، من دون أنْ يدركً أنَّه سيعودُ صباحاً الى الواقع الذي هرب منه. 

ولهذا يتحول قسمٌ منهم الى الأدمان من دون أنْ يدركَ أنَّه يرتكبُ عمليَّة انتحار تدريجي.


مقترح عملي

كثيرة هي المؤتمرات التي عقدت لمكافحة المخدرات بدءاً من (18 كانون الثاني 2012) يوم عقدت في أربيل ورشة عملٍ لمناقشة مسودة قانون المخدرات، بمشاركة مسؤولين في الحكومتين الاتحاديَّة والإقليم وقضاة ووإلخ.. ولغاية (تموز 2023) والمؤتمرات والندوات تُعقدُ وتخرجُ بتوصياتٍ واقتراحاتٍ من دون تنفيذ، حتى وصل الأمر الى أنْ يكون (السباق للسيطرة على المخدرات أصعب بكثيرٍ من أي ملفٍ جنائي آخر) باعتراف ضابط بمديريَّة مكافحة المخدرات.

وعليه فإنَّنا نتقدم بمقترحٍ عبر جريدة الصباح يتلخص بالآتي:

1 - إصدار توجيهات من مكتب دولة رئيس الوزراء الى الجهات المعنيَّة، باعتبار مشروع مكافحة المخدرات (قضيَّة وطنيَّة ومسؤوليَّة أخلاقيَّة

ودينيَّة).

2 - يبدأ المشروع خطوته الأولى بتفعيل قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقليَّة (رقم 50 لسنة 2017)، وقيام الجهات المعنيَّة بتطبيقه بحزمٍ مسبوقاً بتوعية واسعة بنوعيها؛ الإعلاميَّة والجوالة.

3 - عقد مؤتمرٍ وطنيٍ بعنوان (المخدرات في العراق.. الأسباب والمعالجات) تُناقشُ فيه دراسات ميدانيَّة تجريها أقسام علم النفس والاجتماع في الجامعات العراقيَّة، وتوحيد الأسباب والحلول

المقترحة.

4 - ترفع نتائج المؤتمر الوطني الى هيئة تضمُّ مديريَّة مكافحة المخدرات في وزارة الداخليَّة وممثلين عن مؤسسات تشريعيَّة وتنفيذيَّة وقضائيَّة، (البرلمان، الحكومة، القضاء) ووزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والثقافة، والجمعيَّة النفسيَّة العراقيَّة وجمعيَّة الأطباء النفسيين العراقيَّة، ومؤسسة شبكة الإعلام العراقي، تقوم في ضوئها بإعداد استراتيجيَّة تنفذ على مراحل زمنيَّة يجري لها تقويم يحدد الإيجابيات والمعوقات، تكون جريدة الصباح طرفاً فاعلاً  فيه.