د. كريم شغيدل
بالأمس مرت علينا الذكرى الخامسة لاحتلال الموصل من قبل عصابات داعش الإرهابية، وهي ذكرى نستعيدها بألم لما اقترن بها من مجازر بشعة بحق أبرياء يندى لها جبين الإنسانية، فمن جريمة سجن بادوش إلى جريمة سبايكر، ومن قتل الأقليات إلى سبي النساء وبيعهن في سوق النخاسة إلى تهديم الآثار وسرقتها وتهريبها إلى تفجير المساجد والمراقد ومصادرة أموال الناس وحياتهم، واقعاً قد مثل ذلك اليوم الأسود نكسة حقيقية للعراقيين لما تمثله الموصل من أبعاد تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية، وما تنطوي عليه من رمزية، ومن لم يذرف دمعة في ذلك اليوم فإن عبرة حرى تكسرت في صدره.
عصابات داعش كانت مسيطرة تقريباً على الفلوجة ومناطق أخرى من الرمادي، وكانت القوات الأمنية في حرب معها بغية استعادة تلك المناطق، لكن أن يتم احتلال الموصل بلمح البصر فذلك ما لم يكن بالحسبان، وقد أثار انسحاب القوات الأمنية في حينه تساؤلات لا تزال بلا إجابات وافية، لقد خيم الحزن على الشارع العراقي، واستحوذ الشعور بالإحباط على المواطنين، داعش يستعرض في سامراء، صهريج ينفجر على قيادات الجيش أمام فندق نينوى، السيطرة على مقر قيادة العمليات قرب المطار، انسحاب القوات الأمنية، نشوب النيران في مراكز الشرطة ونقاط الجيش ومقراته، وهذه من أساليب داعش في بث الرعب في نفوس السكان ومن ثم إخضاعهم، فمنذ أكثر من سنة والقوات الأمنية في معارك كر وفر معهم على أطراف الموصل، وعلى الرغم من تواطئ بعض الجماعات المحلية إلا أن غالبية السكان لم يتوقعوا هذا التطور الدراماتيكي الذي مكن عصابات داعش من أسر المدينة بمواطنيها.
لنعترف بأن قضية الموصل لا تزال محاطة بالألغاز، ولنعترف أن سقوطها بيد التنظيم على غفلة من الزمن أغلق بوجوهنا نوافذ الأمل، لكن تلك الفاجعة لم تنل من إرادة العراقيين، فقد راهنت دوائر الشرق والغرب على داعش، وخابت ظنونها، إذ سرعان ما توحدت الإرادة العراقية ونهضت مشاعر الانتماء الوطني الحقيقية، متوجة بفتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الأعلى السيد علي السيستاني(دام ظله) لتتشكل في ظلها فصائل الحشد المقدس والحشد العشائري، وقد ضمت تلك الحشود عراقيين من مختلف الأطياف، وانطلق الزحف بلا مزايدات ليسطر ملاحم تاريخية تصلح أن تكون دروساً لنهضة الشعوب للدفاع عن أوطانها ومواجهة
التحديات.
انطوت تلك الصفحة السوداء، وإن كانت هناك فلول خاسرة تحاول العبث بأمن البلاد، لكن ميدانياً انهزمت عصابات داعش عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وانهار التنظيم الذي كان يوصف بكونه الأقوى والأغنى، ولم يصمد أمام تضحيات شعبنا وقواتنا الأمنية ومن ساندها من رجال الحشدين الشعبي والعشائري والشرطة الاتحادية والبيشمركة واستعيدت جميع المدن، وكان درساً قاسياً، يفترض أن يكون منطلقاً لبناء دولة العراق، مثلما حولت الشعوب والدول الأخرى مآسيها والكوارث التي مرت بها إلى نهضات
حضارية.