علي حسن الفواز
لسنا بعيدين عن خيارات الحرب والسلام، ولا عن ما يمكن أنْ تحمله ملفات المنطقة المضطربة سياسيا وأمنيا من احتمالات مفتوحة، فما يجري على الارض هو صراع بين اتجاهات ومصالح وايديولوجيات متقاطعة، مثلما صراع بين تحالفات دولية غايتها الاولى والاخيرة هي الهيمنة
والحماية.
خيار الحرب قد يكون أحمقا في ظل ما تعيشه المنطقة من ظروف معقدة، كما أنّ خيار السلم لن يكون سهلا، وبدون أن تدفع له هذه الجهة اوتلك ثمنا قد يكون مُكلفاً، وغير آمن النتائج، فضلا عن هذا الصراع لن يكون بعيدا عن التاريخ
، ولا عن حمولاته الطائفية والسياسية، وهو ما يؤكد طبيعة تعقيداته الخطيرة، وحاجته الى معالجات تتجاوز الأطر التقليدية الى تفعيل سياسات الحوار والمشاركة، والتي تعني أيضا وجود تدخّلات دولية لها مصالح متناظرة عبر تعويم فرضية الهيمنة الاقتصادية، أو عبر تعويم فرضية التعايش تجنبا لخيار الحرب غير المُسيطَر
عليها.
ماحدث في مؤتمرات قمم مكة المكرمة الاخيرة يكشف عن كثيرٍ من ملامح هذا الواقع الصعب، وعن مرجعياته السياسية والخطابية، فضلا عما كشفه من قلقٍلتلك الخيارات، وللرعب الذي تعيشه دول المنطقة فيما لو ذهب الصراع الى الحرب، مثلما تكشف الزيارات الدولية للمنطقة ولإيران بشكلٍ خاص عن حسابات أخرى، لها علاقة بمايُهدد المصالح الدولية من اضرار قد لا تتحمل تداعياتها، وبخطورة ماتستجلبه من صراعات أخرى ومع دول نووية لها مصالحها في المنطقة، ولها حساسية إزاء فرضية الهيمنة
الامريكية.
السياسات الأميركية
وصناعة الأزمات
تعيدنا سياسة ترامب الامريكية الى فلسفة الغالب الكبير، والى فلسفة الاعتراف بهذا الغالب، وهي توجهات تفرض على المنطقة، وعلى العالم نوعا من الرعب العالمي، الرعب الذي تملك الولايات المتحدة كثيرا من ادواته، وكثيرا من حيله ومن حساباته
، لاسيما في سياق عالمية مصالحها، وهيمنتها الكبرى على الاسواق وعلى الممرات وعلى الادارات المخابراتية والمعلوماتية، وهو ماحدث اخيرا في صراعها الاقتصادي مع الصين
، ومع روسيا، فشركات الهاوواي العملاقة تترنح بعد حرمانها من خدمات التقنيات الامريكية- الفيسبوك، والتويتر والواتساب) مقابل ما ستقوم به الصين من ردود قد تهدد التجارة
العالمية.
ما يحدث في منطقة الخليج والشرق الاوسط ليس بعيدا عن ستراتيجيات السياسة الامريكية
، ولا عن فرضية هيمنة مصالحها، ولا عن فرضية حمايتها للحلفاء وبالأخص اسرائيل، وهو مايعني توجهها لصناعة ازمات عميقة مع دول أخرى وجماعات اخرى، إنْ كان في اسيا كما في الملف الكوري، أو إنْ في امريكا اللاتينية كما يحدث مع كوبا وفنزويلا، وما يحدث الان مع ايران هو دليل آخر، وأكثر وضوحا على تلك السياسات، ومن خلال اجراءات قاسية غايتها تطويع ايران، واخضاعها لفرضيةة الهيمنة، حيث انسحبت امريكا من الاتفاق النووي، وقامت بفرضسلسلة العقوبات الاقتصادية، فضلا عن دعم وتسليح كلّ الدول التي تختلف مع ايران سياسيا
وامنيا.
السياسات الامريكية لا سياق لها، ولا أفق لها، فبقدر طبيعتها الوحشية، فإنها تعبير حقيقي عن ايديولوجيا العقل الاستحواذي لليمين الامريكي، والذي يفترض توجهات جديدة للصراعات الكبرى، الصراعات التي تنطلق من فكرة القطب الواحد، ومن فلسفة
الاعتراف بوجود هذا القطب سياسيا وثقافيا واقتصاديا
وأمنيا.
لا عزاء للمحاربين.
الدخول في لعبة الحرب المكشوفة يعني توريط المنطقة في صراعات قد لاتنتهي بسهولة، مثلما يعني وضع المصالح والاسواق العالمية أمام أخطر كارثة قد يتعرض لها العالم، لاسيما مع احتمال توقف توريد 35% من نفط العالم، ومع ارتفاع اسعاره الى أكثر من 100 دولار، مقابلاعادة انتاج العنف بكل اشكاله السياسية والامنية والطائفية، وتسويغ وجود ظاهرة الارهاب الدولي، وبالاتجاه الذي قد يؤدي الى تهديد الغرب ذاته، وتشبيك الصراع السياسي مع تهويمات الصراع التاريخ بتعقيداته
المعروفة.
تحريض بعض الدول على خيار العنف سيجعلها الاكثر خسارة، والاكثر تعرضا لتداعيات تلك الحرب، وفي منطقة تختزن ارضها أكبر ترسانة عسكرية في
العالم.
لا عزاء للمحاربين الذين سيدخلون لعنة الحرب، لأنهم سيكونون بلا خيارات بديلة، وبلا أفق لمرحلة مابعد الحرب، إذ ستتحول المنطقة الى جغرافيا محروقة، والى بيئة طاردة للمال واستثماراته، وللسياسة وحسابات مصالحها، لاسيما وأن عديد الدول الكبرى في اسيا كالصين واليابان والهند بدأت تُفكّر ومنذ سنوات بأسواق بديلة، وبممرات وموانىء بديلة عن تلك التي ستدخل الحرب
القادمة.