الأكلات الغربيَّة.. {بريستيج} الحداثة

منصة 2024/07/01
...












 بغداد؛ نوارة محمد 

المطاعم التي تقدم أطباقاً غربية تتسع رقعة انتشارها في السنوات الأخيرة لأسباب تتعلق بملاحقة {البرستيج}والرفاهية والتقدم الاجتماعي، ولما تقدمه أطمعة هذه المطابخ من مذاق مختلف، عموما فإن هذه الظاهرة تعكس المزاج السائد الذي يفضله شباب الجيل الجديد على وجه التحديد، وتعكس أيضاً تداخل ثقافات دول العالم الذي أتاحاه سهولة السفر ووسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت.

يقول الناقد والأكاديمي خالد حنتوش إنَّ "التغير الحاصل في عادات الطعام تجسّد تغيّر المجتمعات وظروفها، وهي انعكاساً لسلوكياته وتقاليده المتوارثة، إلّا أنّنا اليوم نواجه تحولاً قيميّاً هائلاً في عادات الطعام، لا سيما بين الشباب، الذين بدوا منسجمين جداً مع الأطباق الجديدة الغربيَّة وهم عارفون جيداً لمذاقاتها وأسمائها الجديدة التي طرأت على المجتمعات العربيّة، الجيل الذي استجاب لهذه التغيرات من باب التغيير ومساعي الاكتشاف، وهذا أمر ساعد على انتشار هذه الظاهرة".

ويتابع: الغريب أن هذه الهزات القيميّة الهائلة التي يواجهها العراق في ربع قرن الأخير تغلّبت على مذاق الأكلات المصنوعة بعاطفة الأم أو الزوجة، فصار الشبان يفضلون جلب الطعام بـ "الدليفري" على أن يتناولوا الوجبات المنزليَّة، الأمر الذي أدى بدوره إلى زعزعة الصلة العاطفيَّة بالمنزل وصار من الطبيعي ـ وما دامت الأسرة قد حبذت مأكولات المطاعم ـ أن يستدرجها الأمر للبحث عن أنواع من الأطعمة غير العراقية ـ والمأكولات الوافدة إلينا ولا سيما من دول العالم.

أما فرح سالم، فتقول: سرعان ما دخلت أطباق مثل "الستيك، والكوردن بلو، الفوتوشيتي" في "منيو" المطاعم المحليّة ولاقت رواجاً يثير الانتباه، وصار المئات يقصدون هذه المحال بهدف التجربة، والتغيير، هكذا تحولت مطاعم الوجبات السريعة الى إدمان أصاب العالم، والتي تُعبر خطرة نوعاً ما، وتُصنف ضمن الاكلات التي تسبب السمنة المفرطة لاحتوائها على نسبة عالية من الدهون والنكهات، وبهذا فإنّ مرض السمنة لدى الأطفال يعد أحد أهم الكوارث المعاصرة والتي تتفرّع بدورها إلى مجموعة ضخمة من الأضرار على المستويات الصحيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.   تُشير سالم وهي ناشطة مدنية: بحسب الدراسات والتقارير الطبيّة فإن عدد الأطفال الُمصابين بفرط الوزن تحت سن الخامسة بحلول  عام 2016 بلغ عددهم 41 مليون طفل (2)، نصفهم يعيش في آسيا والربع في أفريقيا، وكلما تقدمنا بالفئة العمرية ارتفعت أعداد الأطفال بصورة أكثر ما يشير أن هناك مشكلة من نوع جديد تماماً تواجه البشر حاليّاً، وهي ترتبط بحديثنا عن الوجبات السريعة والإدمان على هذه الأطعمة".

ويذهب الباحث أحمد حسن للقول في إن "التغير الحديث الذي نواجهه يعد واحدا من أهم العوامل التي ساعدت على الترويج لهذه الظاهرة، وإلى جانب دعايات إعلانيّة ضخمة أسست لها شركات هذه الأطعمة". 

ويشير الى أننا أمام موجة هائلة من التطور العالمي الذي أتاح انفتاحاً كبيراً على المجتمعات، والى جانب السفر والسياحة فنحن نواجه تغيراً قيمياً هائلاً اتاحته منصات التواصل الاجتماعي، وما يقدمه صانعو المحتوى وبعضهم ممن اختصّ بالترويج للمطاعم وهو يشرح بصورة تفصيليَّة عن الأمكنة وما تقدمه، ونوع المذاق الذي تعطيه هذه الأطباق، وبدا أكثرهم يعدها مهنة يعتاش عليها. 

تجربة المطاعم وصنع رحلات خاصة لاكتشاف الاكلات.

الأمر أيضا يرتبط لدى البعض "بالبريستيج والاتكيت" إذ إن كثيرين حتى من بينهم ذوو الدخل المحدود يعدون طريقة العيش هذه تعبر عن رُقي الفرد ومدى استجابته لهذا التغيّر كما تقول نور جمال في أننا "نواجه اليوم عادات غريبة، وسلوكيات تعدها المجتمعات مقياساً لمدى رُقي الإنسان وثقافته، فارتياد مطاعم تُقدم وجبات يابانيّة تؤكل بطريقة معينة ظاهرة تنتشر بشكل مبالغ فيه، وهي تجسّد جزءاً من الاتكيت والمستثمرون استغلوا 

هذه الظاهرة لصالح نتاجهم فبدء هذه المطاعم التي تحمل أسماء ايطالية أو اسبانية وتقدم أطباقاً تنشر وتنجح بشكل ملحوظ، لا سيما في مناطق الطبقة العليا. 

وتتابع أن "الجيل الجديد يعدون الأمر جيداً للغاية، وهو إزاحة للموروثات وللنمطية". 

من جهتها تتساءل سمر محمود: ماذا لو استبدلنا طبق الفاصوليا بستيك اللحمة المحمّرة بصوص مختلف، وماذا لو غُيب البيض المقلي عن المائدة العراقية واستبدلت بكرواسون محشي بالجُبنة؟

ثم تجيب، إننا "جيل يرفض الكلاسيكية وهو يتماشى من دون إرادة منه مع الحداثة".