أحمد عبد الحسين
خطير، بل خطير للغاية، تصريح عضو الكونغرس الأميركي "مايك والتز" الذي توعّد فيه بتقديم مشروع قرار لمعاقبة السلطة القضائية العراقية ممثلة برئيس مجلس القضاء الأعلى الأستاذ فائق زيدان.
خطورة الحدث تتحدّد في ثلاثة موارد:
أولها يتعلق بأصل الفكرة، إذ من غير المسبوق وغير المقبول أن يصار إلى معاقبة سلطة رئاسية في دولة "صديقة" ذات سيادة على هذه الشاكلة السافرة، ما يعدّ انتهاكاً لسيادة العراق المنشغل بترميم صورته عالمياً بعد عقود طوال من الضعف الدبلوماسي نتيجة حماقات ما قبل التغيير والأزمات الداخلية بعده.
الأمر الثاني يتعلق بالعواقب التي يمكن أن تلحق العراق إذا ما نُفّذ وعيد "والتز"، فالقرار يمسّ العصب الحساس في جسد الدولة، لأنّ الجهاز القضائيّ في أي دولة يشكّل الركيزة الأساس لعملها وعنواناً لسلطان الدولة على نفسها، وبإضعافه أو الاستهانة به فإنّ ثلمة كبيرة ستلحق بها وسيكون من العسير مطالبة سائر الدول بالتعاطي معها بوصفها دولة مستقلة ذات سيادة.
ثالث الأمور وأخطرها أنّ ردّة الفعل العراقيةـ حتى الآن ليست بمستوى الحدث، ومن الواجب عدم الاكتفاء بتصريحات إعلامية هنا وهناك لمسؤولين تنفيذيين أو تشريعيين، بل من الملحّ القيام بتحرك دبلوماسي سريع واستثمار كل نقاط التفاوض الممكنة اقتصادياً وسياسياً لئلا يأخذ مشروع القرار طريقه إلى الكونغرس ومن ثم التصويت عليه. لأنّ ما يبدو تلافيه ممكناً اليوم سيغدو مستحيلاً أو أشبه بالمستحيل إذا ما تُركت الأمور من دون تحرك سريع عاجل.
ليس مناسباً أبداً اللجوء إلى طريقة التفكير السياسية التقليدية التي اعتدنا عليها والتي يحكمها المنطق الحزبي والفئوي وتريد الاستثمار في أزمة سلطة ما لتحقيق مكاسب ضيّقة، لأنّ الخطر الداهم في واقعة كهذه يتعلق بالعراق كدولة، وينذر بعزلة دولية تلوح في الأفق مشابهة للعزلة التي كان عليها العراق قبل 2003.
يأتي هذا الحدث بعد ثلاثة أيام فقط من تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان بشأن حقوق الإنسان في العراق والذي مرّ من دون أدنى تعليق عراقيّ. ومن المستغرب أن نرى صمتاً واستسلاماً "وربما تشفياً" من لدن قوى وفاعليات سياسية إزاء هذا الأمر الجلل، إلى الحدّ الذي يظنّ من يرى المشهد أنه يدور في بلد آخر ويهدّد مصير دولة أخرى غير العراق!