التعداد العام.. ضرورة وطنيَّة ومستقبل مشرق للاقتصاد الوطني

ريبورتاج 2024/07/02
...

 احمد الفرطوسي

يعد التعداد العام للسكان المقرر تنفيذه في 20 تشرين الثاني من هذا العام خطوة تخطيطية أساسية لبناء قاعدة بيانات تنموية، والمساهمة في تقليص الفجوات الخدمية بين مختلف القطاعات، ويعد مسألة حيوية تتداخل مع جميع الجوانب الاقتصادية للبلاد، وصياغة السياسات والتخطيط والإدارة على المستوى الحكومي بهدف وضع بيانات متكاملة عن عدد السكان، من أجل تقييم البرامج التنموية في مختلف الجوانب كالتعليم والبطالة والصحة والنقل والطرق، كما يعد المفتاح الأساسي لتحقيق تنمية مستدامة ومستقبل مشرق للاقتصاد الوطني.

توفير قاعدة بيانات
وقال مدير مديرية إحصاء المثنى أنمار طالب صالح لـ (الصباح) :"تنفذ هيئة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية التعداد العام للسكان المزمع تنفيذه في تشرين الثاني 2024، ويعد التعداد أضخم عملية إحصائية تقوم بها الدولة، إذ يستلزم تعبئة موارد مالية وبشرية ضخمة لتوفير قاعدة بيانات ومؤشرات رقمية حديثة وشاملة وموثقة بما يتعلق بحجم وتركيب السكان والمباني والمساكن".
وأوضح "يعد التعداد عملية كلية لعد جميع الأفراد الأحياء الموجودين داخل الحدود الجغرافية للعراق في فترة زمنية محددة، كما يتضمن جمع وتقيم وتحليل ونشر البيانات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بهؤلاء الأفراد، ومعرفة توزيعهم الجغرافي وخصائصهم المختلفة دونما حذف أو تكرار، كما يفيد التعداد في الحصول على بيانات حديثة شاملة وعالية الدقة عن جميع الأفراد في فترة زمنية محددة وعن الخصائص المختلفة للمباني والمساكن والأسر لأصغر وحدة جغرافية".
وتابع "تعد البيانات التي يتم الحصول عليها من خلال التعداد ضرورية تمكن من تقييم الوضع السكاني في العراق خلال الفترة الفاصلة بين التعدادات، بالإضافة إلى رصد التغيرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على السكان خلال الفترة نفسها في مختلف التقسيمات الإدارية ابتداءً بالقرية وانتهاءً بالمحافظة".
ويكمل مدير إحصاء المثنى "من فوائد التعداد وضع أساس لتخطيط البرامج  والسياسات العامة للمساكن، ولتقييم مدى كفاية الموجود من المساكن ومدى الحاجة لمساكن جديدة ولإجراء الدراسات لظروف معيشة السكان دون الحد الأدنى المقبول، كما يمكن ربط قاعدة بيانات ومعلومات خدمية أخرى كالمدارس والمراكز الصحية والمستشفيات والشوارع  والجامعات و مراكز الدفاع المدني ومراكز الشرطة  وغيرها".

تأثيرات اقتصاديَّة حاسمة
بينما قال عميد كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة المثنى الدكتور كمال كاظم طاهر الحسني لـ (الصباح) "في ظل التغيرات الديموغرافية السريعة التي يشهدها العراق، أصبح التعداد السكاني مسألة حيوية تتداخل مع جميع الجوانب الاقتصادية للبلاد. النمو السكاني المستمر يفرض تحديات وفرصاً متعددة على الاقتصاد الوطني، ففي شباط 2023، أعلنت وزارة التخطيط العراقية عن وثيقة جديدة تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، هذه الوثيقة تهدف إلى استيعاب الزيادة السكانية وتحويلها من أعباءٍ تنموية إلى محرّكات تنموية فاعلة، إذ يعد التعداد السكاني في العراق من أهم الأهداف الاقتصادية في البلاد، ففي عام 2023، بلغ عدد سكان العراق حوالي 43 مليوناً و324 ألف نسمة، موزعين بين 50.5 % من الرجال و49.5 % من النساء، وهذه الزيادة السكانية تؤثر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

أبرز التحديات
ويؤكد الحسني أن "أحد أبرز التحديات التي يفرضها النمو السكاني هو زيادة الطلب على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، الحكومة العراقية تجد نفسها أمام ضغط متزايد لتوفير هذه الخدمات بفعالية وكفاءة على سبيل المثال، القطاع الصحي يعاني من نقص في المستشفيات والأطباء، ما يؤدي إلى تدني مستوى الرعاية الصحية، وفي قطاع التعليم، هناك حاجة ماسة لبناء مدارس جديدة وتوظيف عدد أكبر من المعلمين لمواجهة الاكتظاظ في الفصول الدراسية، بالإضافة إلى ذلك، يواجه العراق تحدياً كبيراً في توفير فرص العمل للأعداد المتزايدة من الشباب الداخلين إلى سوق العمل، كذلك البطالة بين الشباب تعدّ واحدة من القضايا الاقتصادية الحرجة، إذ تتجاوز نسبتها 25 % في بعض التقديرات، وهذا الوضع يؤدي إلى زيادة الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي، ويحد من القدرة الشرائية للأفراد، ما يؤثر سلباً في الاقتصاد بشكل عام".

النمو الاقتصادي
منوهاً بأنه "رغم كل هذه التحديات، يمكن للنمو السكاني أن يكون دافعاً للنمو الاقتصادي إذا تم توجيهه بشكل صحيح، إذ يمتلك العراق ثروة بشرية كبيرة يمكن استغلالها لتعزيز الإنتاجية والابتكار، إذا تمكنت الحكومة من تحسين جودة التعليم وتوفير التدريب المهني للشباب، فإن ذلك سيسهم في بناء قوة عمل ماهرة ومؤهلة تسهم في تطوير الاقتصاد الوطني علاوة على ذلك، يمكن للسوق العراقية الكبيرة والمتنامية أن تكون جاذبة للاستثمارات الأجنبية، حيث تبحث الشركات الأجنبية غالباً عن أسواق جديدة ذات تعداد سكاني كبير لضمان نمو مستدام لأعمالها لذا، يمكن للعراق أن يستفيد من هذا الاهتمام لتعزيز الاستثمارات في قطاعات متنوعة مثل الطاقة، الصناعة، والزراعة".

سياسات بعيدة المدى
ويرى الحسني أنه "لا بد من وضع مجموعة من السياسات بعيدة المدى لتحقيق العيش الكريم والرفاهية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهذه السياسات تهدف إلى توفير متطلبات الحياة الأساسية للشعب العراقي، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن تأخذ أهداف التعداد السكاني في العراق بنظر الاعتبار التغيرات الحاصلة في البيئة ومواردها بجميع مناطق البلاد وعلى ضوء البيانات
التي سيتم جمعها من خلال
التعداد السكاني تستطيع الدولة وضع السياسات الاقتصادية
التنموية الناجعة لمواجهة تلك التحديات، واقتناص الفرص بالوقت نفسه".
ويختتم الدكتور كمال الحسني حديثه "في نهاية المطاف، يعد التعداد السكاني في العراق من أهم الأهداف الاقتصادية في البلاد وعاملاً مؤثراً في صياغة المشهد الاقتصادي للبلاد ورغم التحديات الكبيرة التي يفرضها، إلا أنه يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص حقيقية للنمو والازدهار، إذا ما تبنت الحكومة سياسات فاعلة وشاملة، أهمها الاستثمار في الإنسان العراقي الذي يمثل المفتاح لتحقيق تنمية مستدامة ومستقبل مشرق للاقتصاد الوطني".

مناطق حضريَّة وريفيَّة
من جانبه، يقول مدير دائرة التخطيط في المثنى المهندس قابل حمود لـ (الصباح) "يمثل التعداد العام للسكان والمساكن المقرر تنفيذه في 20 تشرين الثاني من هذا العام 2024 خطوة تخطيطية أساسية لبناء قاعدة بيانات تنموية والمساهمة في تقليص الفجوات الخدمية بين مختلف القطاعات وفي جميع المحافظات، إذ انطلقت فعاليات التعداد التجريبي في جميع محافظات العراق ومنها محافظة المثنى  في نهاية أيار الماضي، وذلك في إطار الاستعدادات الجارية لإجراء التعداد العام، إذ شملت مناطق حضرية وريفية وهي حي الاسكان و الغربي الثانية وآل بلحة".
وأوضح أن "الهدف من التعداد التجريبي هو اختبار جميع أدوات التعداد، بما في ذلك الاستمارات وقواعد التدقيق الآلي لضمان الجودة والأجهزة اللوحية، ونظم المعلومات الجغرافية، ونظم نقل البيانات الآمنة، إذ تحرص وزارة التخطيط على التزامها التام بضمان سرية البيانات وخصوصية الأفراد، وأن جمع البيانات والمعلومات خلال التعداد التجريبي والفعلي ستكون وفق أعلى معايير السرية والخصوصية، ولا يتم استعمالها لأي غرض سوى أغراض التنمية وإن تعاون الأسر هو أساس نجاح هذا المشروع الوطني المهم".

الأجهزة اللوحيَّة
وبيّن "وجهت وزارة التخطيط جميع الباحثين بارتداء ملابس تعريفية، عبارة عن سترة وقبعة ومثبت عليها شعار التعداد العام للسكان، ويحملون هوية تعريفية  صادرة من وزارة التخطيط، وللمرة الأولى يستعمل الباحثون الأجهزة اللوحية (تابلت) حيث تمت تهيئة جميع المستلزمات الخاصة بالتعداد وكيفية ملء الاستمارة الإلكترونية بالمعلومات".
وتابع "سيكون هناك ارسال مباشر لهذه المعلومات إلى مركز البيانات ليتم جمعها وتحليلها وبعد التعداد التجريبي سيتم الانتقال للخطوة الأخرى والتي من المخطط أن تنطلق بعد عيد الأضحى المبارك وهي تدريب الملاكات التربوية التي سيقع على عاتقها تغطية الحاجة من العدادين وتنفيذ عمليات التعداد بإشراف ملاكات وزارة التخطيط".
وأشار إلى أنه "تشكلت في محافظة المثنى اللجان الساندة لدعم التعداد، وعبرت الحكومة المحلية عن استعدادها لدعم جهود الباحثين، وشارك السيد محافظ المثنى مع الفرق الإحصائية التي نفذت عملية التعداد التجريبي، كما كان للأجهزة الأمنية في قيادة شرطة المثنى دوراً أمنياً في مرافقة فرق الباحثين طوال أوقات العمل، ولغاية الآن فإن الاستعدادات الجارية للتعداد العام تسير وفقاً للخطط الزمنية المقررة، وسينفذ في موعده المحدد، وهو 20 تشرين الثاني 2024".