هل اقتربت لحظة تصفية الحساب بين حزب الله وإسرائيل؟

قضايا عربية ودولية 2024/07/02
...

• جيمي ديتمر
• ترجمة: أنيس الصفار                                            

منذ شهر تشرين الأول يعمل المسؤولون الغربيون بلا كلل محاولين منع حرب غزة من التمدد إلى خارج حدودها الحاليَّة، جاعلين جل تركيزهم على احتمال نشوب صدام شامل بين إسرائيل وحركة حزب الله اللبنانية المتعاضدة مع إيران.
لكن رغم الجهود المضنية والتحذيرات الصارمة يستمر خطر توسع الصراع الإقليمي بالتصاعد ساعة بعد ساعة، الأمر الذي دفع "آموس هوشستاين"، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي "جو بايدن"، إلى التشديد خلال التوقفات التي قام بها في القدس وبيروت في الفترة القريبة الماضية على مخاطر اندلاع "حرب أعظم".
اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله سيكون معناه الدمار لجميع الأطراف المعنية، كما أنَّ ارتدادات هذه الحرب سوف ترجّ المنطقة بأكملها وتتعداها لأنها ستنطوي على خطر إلحاق الضرر بعملية التطبيع الهشة التي تقودها الولايات المتحدة والتي ما تشكلت إلا بعد جهد جهيد من أجل إصلاح العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب.
أضف إلى ذلك أنَّ الحرب الشاملة تنطوي على احتمال جرّ إيران إلى الصراع على نحو أوسع وأفصح مما كانت عليه خلال الحروب الدموية غير الحاسمة التي دارت بين إسرائيل وحزب الله في عامي 1996 و2006.
 كانت هذه هي الرسالة التي أرسلتها إيران في شهر نيسان حين برزت في تحرك غير مسبوق لتهاجم إسرائيل بشكل مباشر من داخل أراضيها متخطية بذلك ما كان يعتبر على مدى العقود خطاً أحمر.
لكن هل سيبقى القادة الإسرائيليون يصغون لدعوات واشنطن بضبط النفس مع تصاعد الضغط داخل إسرائيل الداعي للتعامل مع حزب الله؟.
منذ شن إسرائيل حملتها العسكرية الانتقامية في قطاع غزّة قبل ثمانية أشهر في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول انغمس حزب الله والجيش الإسرائيلي في عمليات إطلاق نار متبادلة عبر الحدود، بيد أنَّ الطرفين أبقيا أعمال الرد والرد المقابل اليومية دون عتبة الحرب الشاملة، أو ضمن ما يصفه السياسيون اللبنانيون "ضمن قواعد اللعبة"، وهي خطوط أساس غير رسمية تم وضعها بعد حرب 2006 لخفض خطر وقوع خطأ في الحسابات يتبعه تصعيد من كلا الجانبين.
بيد أنَّ الأيام التسعة عشر الماضية شهدت تغير الوتائر تدريجياً بتصعيد كبير من جانب حزب الله، كما أشار هوشستاين، مع تمديد قواعد اللعبة. يقول هوشستاين إنَّ الحاجة باتت ملحّة لخفض التصعيد، مشدّداً على أنَّ تبادل النيران عبر "الخط الأزرق" (وهو خط ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان) قد استمر لفترة أطول مما يجب.
جاءت تعليقات هوشستاين تلك في ضوء إطلاق حزب الله مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة قبل نحو أسبوعين على مواقع عسكرية إسرائيلية في أعقاب استهداف الجيش الإسرائيلي أحد كبار قادة الحزب واغتياله، وهو طالب عبد الله. دأب حزب الله على استخدام الطائرات المسيرة المحملة بالمتفجرات بالإضافة إلى الوابل تلو الوابل من الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات، لكنه في شهر أيار أطلق على إسرائيل لأول مرة طائرة مسيرة حاملة للصواريخ.
يقول حزب الله إنه قد شنَّ إجمالاً أكثر من 2000 غارة على إسرائيل منذ شهر تشرين الأول، وإنه لن ينهي الأعمال العدائية إلا بعد أن يتم التوصل إلى اتفاق في غزّة، وهو احتمال يبدو أبعد مع كل يوم يمر.
ثم حدث ما أضاف إلى حالة التطير المتصاعدة، إذ بث حزب الله في الأسبوع الماضي على سبيل التهديد لقطات مصورة قارب أمدها 10 دقائق ظهر فيها ميناء حيفا ومواقع عسكرية حساسة أخرى في مناطق شمال إسرائيل، ومن بينها مواقع أنظمة الدفاع الجوي المعروفة بالقبة الحديدية ومقلاع داود. قال الحزب إنَّ اللقطات المصورة قد سجلتها طائرة استكشاف مسيرة أدت مهمتها دون مواجهة أي عراقيل ثم تمكنت من العودة إلى لبنان.
من جانبها بقيت إسرائيل تحذر منذ أشهر بأنها تعتزم دفع حزب الله المدعوم من قبل إيران بعيداً عن الحدود اللبنانية وإلى الجانب الآخر من نهر الليطاني، سواء تم ذلك بالدبلوماسية أم بالحرب.
في الأيام الأخيرة لوحظ على خطاب المسؤولين الإسرائيليين تصلب واضح، إذ حذر وزير الخارجية "اسرائيل كاتز" حزب الله بأنه سوف يتعرض للتدمير إذا ما اندلعت "حرب شاملة" وأنَّ إسرائيل قد اقتربت جداً من لحظة اتخاذ القرار بتغيير قواعد اللعبة ضد حزب الله في لبنان، حسب تعبيره. كذلك أكد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية "ديفد مينسر" أنَّ إسرائيل سوف تكفل عودة آمنة مطمئنة للإسرائيليين إلى منازلهم في شمال إسرائيل، كما قال. معظم الإسرائيليين الذين أشار اليهم يقيمون حالياً في فنادق بتل أبيب على نفقة الحكومة.
في غضون ذلك قال الجيش الإسرائيلي إنَّ قادة الجيش قد أقروا الخطط العملياتية للمعركة من أجل شن هجوم عبر حدود إسرائيل الشمالية، ومن ضمن ذلك اتخاذ القرارات بتعجيل جاهزية القوات على الأرض، حسب تعبيره، وكل ما تبقى الآن هو أن يعطي رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" الضوء الأخضر.
هذا التصعيد في الخطاب الإسرائيلي قابله بسرعة رد مناظر حين هدّد زعيم حزب الله حسن نصر الله بأنَّ ما من مكان في إسرائيل سيكون بمأمن إذا ما اندلعت الحرب الشاملة. وللمقابلة بالمثل شدّد نصر الله على أنَّ مسرح الحرب يمكن أن يتوسع آنذاك إلى خارج حدود الشرق ليشمل قبرص إذا ما سمحت الجزيرة لإسرائيل باستخدام مطاراتها ومرافقها التعبوية.
حذر نصر الله قائلاً بنبرة صارمة: "عندئذ سوف يتغير الوضع في البحر المتوسط تغيراً كاملاً." مردفاً بالقول إنَّ حزب الله سوف يقاتل "بلا قواعد ولا أسقف".
في واقع الحال أنَّ أيّاً من الطرفين لن يخوض المعركة بقفازات أطفال.. بل إنَّ لدى كل منهما القدرة على إنزال دمار هائل بالطرف الآخر. فإسرائيل من جانبها لديها قدرة تدميرية هائلة، وما حدث في غزة مصداق لهذا التهديد. كذلك فإنَّ حزب الله اليوم ليس كحزب الله العام 2006، فهو أفضل تسليحاً بكثير حيث تقدر مخزوناته الصاروخية بما بين 40 و120 ألف صاروخ، وهذا يفوق ما تمتلكه كثير من الدول، كما أوضح بما لا يقبل اللبس أنه سوف ينقل المعركة إلى قلب إسرائيل مباشرة. وحتى في العام 2016 تحدث بعض قادة الحزب إلى وسائل الإعلام وقالوا إنَّ عمليات حزب الله في سوريا يمكن أن ترقى إلى مستوى التدريب الميداني استعداداً للحرب المقبلة مع إسرائيل.
رغم أنَّ الغاية من وراء هذه التهديدات والتهديدات المقابلة، ولو جزئياً، هو ردع الطرف المقابل عن التمادي وتخطي الحد فهي تنطوي أيضاً على مجازفة أنَّ التراجع والنكوص عنها سيكون أصعب بالنسبة لأي من الجانبين. فالإسرائيليون ليسوا في وضع نفسي يسمح لهم بتقبل التسويات والحلول الوسط، كما أنَّ قادة الجيش رغم انتقاداتهم المتزايدة لنتانياهو بسبب حرب غزة، التي تمددت حتى صارت تبدو وكأنها لن تنتهي .. والتي يتهمونه بأنه إنما يطيلها لأغراض سياسية ضيقة، أخذوا يبدون نفاد صبر وتحفزاً للاشتباك مع حزب الله.
في شهر كانون الأول الماضي سلط قادة الجيش ووزير الدفاع "يواف غالانت" على نتانياهو ضغوطاً كي يعطي الأمر بمهاجمة حزب الله. بيد أنه الآن يواجه انتقادات حامية أيضاً من قبل الأسر التي أجليت عن مناطقها ومن سياسيي المناطق الشمالية الذين يطالبون بمعرفة سبب تلقيهم معاملة مختلفة عن المناطق الجنوبية. يعتقد هؤلاء أنه إذا كان جزء من المنطق في شن الحرب على حماس هو ضمان الأمن الدائم للمستوطنات في جنوب إسرائيل فينبغي إذن منح نازحي المناطق الشمالية القريبة من حدود لبنان، الذين يصل تعدادهم إلى 80 ألف نازح، القدر ذاته من الحماية.
معظم اليهود الإسرائيليين يتفقون مع هؤلاء على أنَّ شن هجوم رئيس كبير سيكون ضرورياً في آخر المطاف. فوفقاً لعملية استطلاع للرأي أجراها معهد سياسة الشعب اليهودي أيدت نسبة 36 %  من المشاركين شن الهجوم فوراً، في حين ارتأت نسبة 26 % غيرهم أن يشن الهجوم بعد أن تنجز العملية الجارية في غزة.
كذلك تطالب الأحزاب القومية المتطرفة وأحزاب أقصى اليمين في الائتلاف الحكومي الصاخب الذي يقوده نتانياهو هي الأخرى برد عسكري كبير. فوزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" ووزير المالية "بيزاليل سموترتش" مثلاً يحثان الزعيم الإسرائيلي على عدم التأثر بمحاولات الولايات المتحدة التي تسعى لثنيه عن القضاء على حزب الله قضاء مبرماً.
تستند حجة هؤلاء إلى أنَّ الهجوم على لبنان سيكون مجرد حرب أخرى من حروب الدفاع عن إسرائيل وحمايتها من أعدائها. بيد أنَّ كثيراً من القوميين المتعصبين والمنتمين للجناح اليميني الأصولي في السياسة الإسرائيلية، ومن بينهم "آيالا" زوجة بن غفير، يرون في الحرب مع حزب الله أيضاً فرصة للاستيلاء على جنوب لبنان الذي يعتبرونه جزءاً من "أرض الله الموعودة" وهي أرض يحق للإسرائيليين أن يستوطنوها.

• عن مجلة "بوليتيكو"