حين تعجز اليد عن الكتابة {2}

الصفحة الاخيرة 2024/07/03
...


زيد الحلي



للذي فاتته قراءة عمود الأسبوع المنصرم، أذكر أنَّ عنوان ذلك العمود، وهذا الذي تقرؤون: (حين تعجز اليد عن الكتابة) هو توصيف لعجز أصابع الكاتب الكبير نجيب محفوظ على تحمل القلم للكتابة، ما دعا مؤسسة الاهرام المصريَّة الى الاستعانة بأبرز كتابها الاديب محمد سلماوي، لإجراء حوار مسجل أسبوعيّاً مع محفوظ، استمر حتى وفاته في أغسطس عام 2006.. وقد نشرها في صحيفة "الاهرام" ثم في كتاب، وقد جئت على بعضها في الأسبوع المنصرم..

في إحدى حواراته، قال محفوظ عن واقع الأدب العربي (للأسف..  يقع الآن الادب العربي بين شقي الرحى، ففي الكثير من الدول العربيّة يُعاني الكُتّاب من الرقابة المفروضة عليهم من قِبل بعض الأنظمة السياسيَّة.. أما في الدول العربية الأخرى فإنَّ الاتجاه إلى التطرّف الديني يُشكّل قيداً آخر على الأدباء لا يقل خطورة عن الرقابة السياسيَّة.

لذلك وجدتُ في بعض الأدب العربي الحديث اتجاهاً نحو الانسحاب من الحياة العامة والانغلاق على النفس، بالتعبير عن موقف الشخص بما يخص الجنس أو الدين، فضلاً عن أن الأدب ككل اهتزت مكانته لمنافسة التلفزيون له)، وبسؤاله حول إمكانية تغيّر الوضع الأدبي قريباً، كان ردّ محفوظ: ينبغي ان يكون السؤال هو: هل سيتغيّر المجتمع العربي قريباً؟.

وبأسلوب لا يخلو من الطرافة، يسجل محمد سلماوي في كتابه، هذه الحكاية التي تطرق فيها محفوظ إلى ظاهرة تزوير الكتب، ومؤلفاته بشكل خاص، بالقول إنّه تفاجأ بصدور طبعات هنا أو هناك في العديد من البلاد العربيَّة، ويذكر موقفاً طريفاً مر به: كنتُ جالساً في مقهى ريش، وجاءني رجل لبناني طويل مهيب، وعرفني بنفسه قائلاً: أنا الذي زورت كتبك، من "عبث الأقدار" حتى "ميرامار" قلت له: أهلاً وسهلاً، ماذا تريد. فقال: أريد أن أعقد معك اتفاقاً، لأنّك بفضلي تُقرأ في جميع الدول العربية.. بصراحة أن المزوّرين كثروا، وأصبح التنافس بيننا شديداً وعنيفاً، لذلك أردتُ أن أتفق معك حتى أكون أنا مزورك الوحيد.. وذلك نظير حقك المادي طبعاً. فوجدت كلامه منطقيَّاً، ووقعت معه الاتفاق!.

ويستمر محفوظ في ذكر بعض الطرائف التي مرت في حياته، فيقول: (إنّه لم تكن هناك كتب للصغار وقتما بدأ القراءة، فكانت القراءة منحصرة في القصص البوليسيّة والعاطفيّة الفارغة، ومعظمها كانت مترجمة، حتى أن بعض المترجمين كانوا يؤلفون القصص بالكامل، ويوقعونها كمترجمين، فضلا عن التصرّف الشديد والإضافة في الترجمة، فيمكن للمترجم أن يورد وسط قصّة فرنسيّة حديثاً نبويّاً، وكنتُ أنا أشتريها، فأقول.."يا سلام إن جي دي موباسان يعرف أحاديث الرسول!!" ..

وتبقى "حوارات نجيب محفوظ" رائعة في معانيها.. لكن حيز العمود يدعوني الى التوقف !