هل باتت الحرب بين إسرائيل وحزب الله محتومة؟

ريبورتاج 2024/07/03
...

• بول آر بيلر

• ترجمة: أنيس الصفار       

خلال الأسابيع الأخيرة اشتدت كثافة تبادل إطلاق النار المستمر بين إسرائيل وحزب الله اللبناني بلا توقف طيلة الأشهر الثمانية الماضية، وهذا وضع قابل للتفاقم حد الانزلاق إلى حرب شاملة بإحدى طريقتين. الطريقة الأولى هي أن تستمر دوامة الرد والرد المقابل بالتسارع إلى أن تخرج عن السيطرة على نحو لم يخطط له أي من الجانبين.

التصعيد في هذه الحالة سيأتي نتيجة للمنطق المدمّر الذي يحاول به كل طرف أن يردع الهجمات المستقبلية لخصمه من خلال الرد بعنف وقوّة على آخر هجوم قام به.

المسار الثاني نحو التصعيد قد يكون من خلال سعي أحد الجانبين عن عمد إلى الحرب الشاملة، ومن المستبعد أن يكون حزب الله هو ذلك الجانب لأن الحزب قد بين بوضوح منذ البداية وعلى طول الخط أن كل ما أقدم عليه لإلهاب الحدود اللبنانية الإسرائيلية إنما فعله تعاطفاً مع الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة ونصرة لحماس. 

حزب الله ليست له مصلحة خاصة في الانجرار إلى حرب شاملة مع إسرائيل، ففي الحرب المماثلة السابقة في العام 2006 كان بوسع الحزب القول إنه حقق بعض النجاح بمواجهة القوة العسكرية الأكثر تقدماً في الشرق الأوسط، ولكنه دفع حينها ثمناً باهظاً في الجانبين البشري والمادي. حتى حسن نصر الله زعيم الحزب عبّر في وقت لاحق عن أسفه لسياسة حافة الهاوية عبر الحدود التي أدت إلى تلك الحرب.


قرار الحرب

بيد أن إسرائيل قد تتخذ قرار شنّ حرب شاملة على لبنان في غضون الأشهر المقبلة، ما لم يسبقها إليها بالفعل سيناريو التسارع وفقدان السيطرة. فقد ورد في التقارير أن وزير الخارجية "أنتوني بلنكن" أبلغ المسؤولين العرب خلال آخر زيارة قام بها إلى المنطقة بأن إسرائيل حسب اعتقاده قد عقدت العزم على غزو لبنان. مثل هذا الغزو إذا ما حدث لن يكون حصيلة تحليل موضوعي تمخضت عنه رؤية واضحة لما يمكن أن يعود على الأمن الإسرائيلي بأفضل الفوائد، بل سيكون على الأغلب شأناً مرتبطاً بعوامل سياسية ونفسية داخلية هي التي دفعت إسرائيل إلى هذا السلوك.

أحد تلك العوامل هو الوضع الذي يعيشه نحو 60 ألف إسرائيلي نزحوا عن منازلهم في شمال إسرائيل بسبب تدهور الوضع الأمني هناك وهم يقيمون حالياً في فنادق بتل أبيب أو أماكن إقامة مؤقتة أخرى. هؤلاء الإسرائيليون يمثلون قوة سياسية لها تأثيرها في جانب الإقدام على عمل ما يمكنهم من العودة. لا ريب أن اندلاع حرب واسعة النطاق مع حزب الله سيجعل الوضع الأمني في شمال إسرائيل أسوأ إلى حين لكن الأمل، وإن يكن في غير محله، في أن يسفر العمل العسكري الهجومي بشكل أو آخر عن إقامة مستقبلية آمنة في الشمال على المدى البعيد نقطة لها ثقلها الضاغط على الحكومة.


وضع نتنياهو

إلا أن وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" على الصعيد الشخصي والسياسي والقانوني يبقى عاملاً أساسياً في تحديد توجهات السياسة الإسرائيلية، في هذا الشأن تحديداً أو في سواه. فقد بات من المعترف به عموماً أن قبضة نتانياهو على دفة السلطة، وربما أيضاً قدرته على الإفلات من تهم الفساد، لا يمكن أن تدوم طويلاً إلا إذا بقيت إسرائيل في حالة حرب. وما دام نتانياهو نفسه قد أعلن مؤخراً بأن "المرحلة الأصعب" من الحرب مع حماس قد اقتربت من نهايتها، فإن مصلحته المتوخاة من شن حرب شاملة على الجبهة الشمالية قد تكون الآن أقوى منها في أي وقت مضى.

تعتمد ولاية نتانياهو أيضاً على الحفاظ على ائتلافه الحاكم مع متشددي اليمين المتطرف، لا سيما وزير المالية "بيزاليل سموترتش" ووزير الأمن القومي "إيتامار بن غفير"، وكلاهما من المتشددين في ما يتعلق باستخدام القوة العسكرية ضد حزب الله. سموترتش من ناحيته سبق أن دعا إلى القيام بغزو عسكري في عمق لبنان إذا لم يستجب حزب الله للإنذار النهائي الذي حدد له لسحب قواته من جنوب لبنان، لكن بن غفير يقول إن حتى ما يطالب به سموترتش ليس كافياً، وأن على أسرائيل شنَّ عملية عسكرية بهدف تدمير حزب الله تدميراً تاماً.

إسرائيل الكبرى

ثمة عامل آخر مضاف يتمثل بالخط الفكري داخل إسرائيل الذي يدّعي أن جنوب لبنان جزء من "إسرائيل الكبرى" وهبة من الله، لذا يكون من العدل لا غزوه عسكرياً فقط بل إنشاء مزيد من المستوطنات اليهودية فيه أيضاً. هذه الفكرة كانت تحوم عند هوامش الفكر الإسرائيلي ولكنها، مثل كثير من الأفكار المتطرفة الأخرى في إسرائيل، أخذت تبدي دلائل زحف تدريجي إلى قلب التيار.

ثمة حقيقة لم تعد خافية، وهي أن هدف حكومة نتانياهو المعلن في قطاع غزة المتمثل بتدمير حماس قد أضحى مطلباً بعيد المنال – كما يقرّ الآن حتى المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي - هذه الحقيقة صارت مبعثاً على الإحباط الذي قد يساعد في إضافة حافز آخر لمهاجمة لبنان .. أضف إلى ذلك الإحباط الناجم عن الفشل في استعادة العديد من الأسرى الإسرائيليين أحياء. لهذه الأسباب كلها، فإن أي عملية تسفر عن إلحاق أذى جسيم بعدو آخر من أعداء إسرائيل العرب ويمكن الادعاء بأن هدفها هو السماح لسكان شمال إسرائيل المهجرين بالعودة إلى منازلهم، قد تساعد في تهدئة شيء من النزعة الجامحة لدى السياسيين صناع القرار والجمهور الإسرائيلي المطالبة بضرورة القيام "بعمل ما" في مواجهة النكسات والإحباطات التي أفرزتها الأزمة 

الراهنة.

العملية المدمرة التي نفذتها إسرائيل في قطاع غزة، والتي تجاوزت بكثير ما يمكن تبريره بأنه دفاع عن النفس وحتى ما يمكن وصفه بأنه استهداف لحماس، كان مبعثها هيجان عميق للمشاعر أكثر منه تحقيق هدف ستراتيجي .. كانت نوبة متمادية في الغضب المتولد عن الرعب الذي أحدثته حماس في يوم 7 تشرين الأول. توسيع نطاق الحرب والدخول إلى لبنان من شأنه التمدد في هذا النهج، وحقيقة أن حزب الله (مثله مثل بقية اللبنانيين) من العرب، وأن حزب الله كان دائماً عدواً تقليدياً لإسرائيل، أسباب كافية لتبرير التوسع بالحرب في أذهان كثير من الإسرائيليين الغاضبين المحبطين. 

على قدر ما ستكون هناك من اعتبارات ستراتيجية حقيقية يستند اليها الغزو الإسرائيلي للبنان فإن الهدف الرئيسي من العملية لن يكون تدمير حزب الله – البعيد المنال أصلاً- بل سيكون إزاحة قواته عن جزء من الأراضي اللبنانية إلى الجنوب من نهر الليطاني. أما الخطاب الحماسي المصاحب للعملية فسوف يبقى يركز على وصف المحاولة بأنها كسب أمني مفترض طويل الأمد لمناطق شمال إسرائيل.


تاريخ دموي

التاريخ الدموي الطويل للتدخلات العسكرية الإسرائيلية في لبنان يشير بقوّة إلى أن مثل هذا الأمن لن يمكن كسبه. ففي العام 1978 غزت إسرائيل لبنان، ثم أعادت غزوه ثانية في العام 1982 ومضت في الأمر حتى وصلت إلى بيروت هذه المرة، ومن بعد ذلك بقيت جاثمة على جنوب لبنان حتى العام 2000. رغم ذلك نرى حزب الله اليوم أقوى مما كان عليه في أي وقت مضى. لقد برز حزب الله لأول مرة ولفت الأنظار اليه يوم رد على الغزو في 1982 باعتباره التنظيم الأقدر على فعل ما لا يقوى عليه سواه للدفاع عن اللبنانيين بوجه التوغلات الإسرائيلية. والدعم الشعبي الذي لا يزال الحزب ينعم به يبقى معتمداً إلى حد كبير على استمرار الحاجة المتصورة لمثل هذا الدفاع – وهو تصور سوف يتعزز مع أي غزو إسرائيلي جديد يقع.

حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تعطينا لمحة عما سيبدو عليه الصدام الجديد، بيد أن الحرب الجديدة ستكون على الأرجح أفدح دماراً. فقدرة حزب الله على قصف إسرائيل جواً أعظم اليوم مما كانت عليه في تلك الأيام، حيث تتفاوت التقديرات بشأن أعداد الصواريخ والقذائف التي تحتويها ترسانته تفاوتاً واسعاً لكنها تبقى تحوم حول الرقم 150 ألفاً. حتى المقذوفات غير المتطورة لديها القدرة على إحداث أضرار كبيرة إذا ما نجحت من خلال أعدادها الكثيفة في شل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطورة. إسرائيل من ناحيتها سوف تحرص بالطبع على إلحاق قدر من الموت والخراب بالجانب الآخر مساو على أقل تقدير لما تلقته منه.


إدارة بايدن

إدارة بايدن من ناحيتها لا ترغب حقاً وصدقاً في رؤية حرب جديدة تندلع بين إسرائيل وحزب الله، بيد أن فرص نجاح جهودها في إحلال السلام واهية ضئيلة. فرغم أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي كانت الغاية منه وضع حد للصراع في 2006 لكنه لم يوضع موضع التنفيذ الكامل أبداً، يوفر إطاراً مناسباً لصفقة جديدة ممكنة، إلا أن الظروف الحالية لتحقيق مثل هذه الصفقة صعبة. الأفكار التي بحثها المبعوث الأميركي "آموس هوشستاين" مع المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين تسعى من حيث الجوهر إلى فصل المعادلة الإسرائيلية اللبنانية عما يحدث في قطاع غزة، لكن هذا قد لا يكون ممكناً بالنظر للأجواء السلبية التي خلقتها الكارثة المستمرة في غزة وموقف حزب الله المتمثل بمواصلة الضغط تعاطفاً مع فلسطينيي 

غزة.

جانب من السياسات التصريحية المعلن عنها للإدارة الأميركية لا يصب في صالح الآمال بالتوصل إلى حل سلمي، بل لعلها تزيد الأمور سوءاً. إذ تفيد التقارير بأن هوشستاين قد أبلغ المسؤولين العرب في بيروت بأن الولايات المتحدة سوف تقف بجانب إسرائيل إذا ما نشبت حرب واسعة النطاق على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وقد أوصلت الإدارة هذه الرسالة نفسها إلى المسؤولين الإسرائيليين أيضاً. أياً تكن قيمة هذه الرسائل في ردع السلوك الهجومي لحزب الله فإنها بلا شك سوف تشجع الجانب الإسرائيلي على المضي فيه.

إذا ما اندلعت مثل هذه الحرب فإن معظم دول العالم الباقية حينها، كما حدث في حالة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، سوف ترى أن الولايات المتحدة هي التي تمسك بزمام الصراع. ومع هذه الرؤية سوف تأتي كل التبعات السيئة المضرة بمصالح الولايات المتحدة، بما فيها الازدراء والاحتقار والعزلة الدبلوماسية والتعطش للانتقام من قبل العناصر المتبنية لنهج العنف. أضف إلى ذلك أن موقف الإدارة لن يؤدي على المدى البعيد إلى تحسين أمن المواطنين الإسرائيليين الذين يفترض أنه يسعى لمساعدتهم.  


• عن مجلة "رسبونسبل ستيتكرافت"