مرقد النبي أيوب {ع} في فيحاء الفرات.. منبر الإيمان لمعلِّم الصبر

ريبورتاج 2024/07/04
...

 عامر جليل ابراهيم
 تصوير: الامانة العامة للمزارات الشيعية


تكاد تكون محافظة بابل من أكثر الأماكن المقدسة الإسلامية منها وغير الإسلامية، تنوعت هذه الأماكن بين مقام نبي ومرقد إمام ومزار ولي، لذلك ليس بكثير على فيحاء الفراتين أن تسمى بمهد الأنبياء ودوحة العلماء.
أحد هذه الأماكن الشريفة الذي يقصده العراقيون والأجانب المسلمون وغير المسلمين هو مقام وقبر النبي الصابر أيوب عليه السلام، إذ يقع المقام على طريق حلة- نجف وفي منطقة تسمى الرارنجية.

(الصباح) تشرفت بزيارة المرقد والمزار الشريف، والتقت الأمين الخاص للمزار سماحة السيد نوفل محمود محمد العميدي.
إذ حدثنا أولاً عن نسب وحياة هذا النبي الشريف  قائلاً: هو نبي الله أيوب بن موص بن رازج بن عيص بن اسحاق بن ابراهيم، وقيل إن موص بن روعيل بن عيص، وزوجته هي ابنة يعقوب بن اسحاق واسمها ليا، وكانت أمه من ولد لوط (ع).

محن وتتويج
يواصل العميدي حديثه قائلاً: لم يرد في كتب التاريخ الكثير من التفاصيل عن حياته، إلا في ما يتعلق بقصته التي ذكرت في القرآن الكريم والتي كانت مثاراً للجدل في بعض تفاصيلها، ويكفينا أن نعرف أنه نبي من أنبياء الله الذين اختارهم لهداية البشرية ومن سلالة الأنبياء، فقد عاش حياته في طاعة الله وسلك سبيل مرضاته وهو ما توج بتلك المحنة الشديدة التي قل من يصبر معها، إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وقد أثبت ذلك فعلاً بما يمتلك من إيمان راسخ وارتباط بالله تبارك وتعالى، إذ صبر واحتسب حتى سمي بالصابر، كي يكون قدوة لغيره في الصبر على البلاء والرضا والتسليم لقضاء الله وقدره، وفي مقارعة ابليس وجنوده ومقارعة حب الدنيا والمال والأهل والولد.
وكان عمره الشريف (93) عاماً، كما في بعض الروايات وهذا ما تساعد عليه القرائن، وذلك باعتبار أن في رواية أخرى إشارة إلى أنه عاش بعد البلاء (70) عاماً، فإذا أضفنا له مدة الابتلاء وهي سبع سنوات على الأرجح فيكون المجموع هو (77) عاماً، وعلى هذا يكون عمره قبل الابتلاء (16)عاماً، وبهذا البيان يثبت بعد ما قيل من أن مدة الامتحان هي (18)عاماً، باعتبار أنه سيكون عمره قبله (6) سنوات وهو بعيد.

عللٌ وابتلاءٌ وحكمة
ويتابع السيد العميدي حديثه: أنه بسبب حسد إبليس لعنه الله في ما سمع صلاة الملائكة عليه حيث ذكره الله تبارك وتعالى، وكان ابليس يتمكن من استراق السمع قبل أن يرجم، كما ذكر ذلك في القرآن الكريم، فطلب من الله أن يسلطه عليه ليفتنه في دينه، فسمح له بذلك كي يثبت قوة إيمان وصبر نبيه وكي يكون قدوة لغيره.
وعن الإمام الصادق ما يقرب من هذا المعنى: (عن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن فضال، عن عبد الله بن بحر، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن بلية أيوب (عليه السلام) التي ابتلي بها في الدنيا، لأي علة كانت؟.
قال: "لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا وأدى شكرها، وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس من دون العرش، فلما صعد ورأى شكر أيوب نعمة ربه حسده إبليس، وقال: يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا، ولو حرمته دنياه، ما أدى إليك شكر نعمة أبداً، فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي إليك شكر نعمة أبداً، فقيل له: قد سلطتك على ماله وولده، قال: فانحدر إبليس فلم يبق له مالاً ولا ولداً إلا أعطبه، فازداد أيوب لله شكراً وحمداً، قال: فسلطني على زرعه، قال: قد فعلت، فجاء مع شياطينه، فنفخ فيه، فاحترق، فازداد أيوب لله شكراً وحمداً ، فقال: يا رب، سلطني على غنمه، فسلطه على غنمه، فأهلكها، فازداد أيوب لله شكراً وحمداً، فقال: يا رب، سلطني على بدنه، فسلطه على بدنه، ما خلا عقله وعينيه.. إلى آخر الرواية). تفسير البرهان ج4 ص660.

المرشد
ويمضي سماحته بالقول: لقد وجدنا في بعض كتب التاريخ بل في بعض الروايات المنسوبة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنها تذكر هذه القصة الغريبة، وهي كون الشيطان كما سلط على أمواله وأولاده فأفناها كذلك سلط على جسده، بحيث أنه تعفن وظهرت فيه الديدان إلى آخر القصة، فكيف يمكن أن يقوم بهدايتهم وارشادهم وهي أولى وظائف الأنبياء والحال أنهم نفروا عنه، بل رموه خارج منازلهم، فهل هذا إلا نقض لغرض البعثة أصلاً، فلا يمكن أن يصدر من الحكيم العاقل فكيف يصدر من الله تبارك وتعالى.
وأيضاً فإن النبوة لطف من الله تبارك وتعالى إلى العباد، ومعنى اللطف هو أن يفعل الله عز وجل كل ما يقرب من الطاعة ويبعد عن المعصية ومنه إرسال الأنبياء وحتى يكتمل اللطف لابد أن يكون هذا النبي  مقرباً لهم كذلك وما ذكر يبعد الناس عنه وبالتالي لا يأخذون منه ويترتب على ذلك أنهم لا يتقربون من الطاعة ولا يبتعدون عن المعصية مع ضغط الغرائز والهوى والشيطان، فلا يتحقق اللطف الإلهي الذي هو واجب بحسب الحكمة الإلهية، فلا بد أن يكون النبي من أفضل أهل زمانه خلقاً وخلقاً حتى تكون الأنفس متهيئة للتلقي منه والأخذ عنه مع ما يأتي به من معجزات كدليل على نبوته، وبالتالي تكون الأرضية مناسبة لتحقق الهدف من النبوات وبذلك يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، فلا بد لنا أن نطرح مثل هكذا روايات بعد عدم امكان التأويل ونرجئ علمها إلى أهله، هذا بالإضافة إلى ما ورد من روايات أخرى تكذب هذا الخبر وتؤيد ما ذكرناه ومنها، ما روي عنهم (عليهم السلام) "إن أيوب (عليه السلام) مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدة  من دم، ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا تدود شيء من جسده، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين، وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى من التأييد والفرج، اللذين ذكرناهما سابقاً.

قصص ومواعظ
ويختتم سماحته بالحديث: ذكر في هذا المجال عدة أسباب لا يمكن الالتزام بها جميعاً، ولكن الأقرب أن ابليس تمثل لها بهيأة طبيب فطلبت منه أن يعالج زوجها، فأجابها لذلك على أن يقول: إذا برأ أنت شفيتني، ويعني الشيطان، وعندما أخبرته بذلك غضب عليها، لأنه عرف أنه الشيطان، وقيل أنه تمثل لها بهيأة رجل وقال لها: لِمَ هذا الذي أصابكم فقالت إنه بقدر الله فقال إن هذا أيضاً بقدر الله واصطحبها إلى وادٍ، فرأت جميع ما ذهب منهما من مال وولد، فقال لها اسجدي لي وأرده عليكم، فقالت: إن لي زوجاً استأمره فلما رجعت وأخبرت زوجها بذلك عرف أنه الشيطان وغضب عليها وحلف أن يجلدها مئة جلدة، ولعل هذا هو الأقرب للتصديق، مع ملاحظة أن الشيطان هو من أوصله إلى ما هو عليه فكيف يجيبها لما أراد.

تبرك وشفاء
أما نائب الأمين الخاص للمرقد السيد جواد حسون الخفاجي فكانت لنا وقفة معه ليحدثنا عن تفاصيل المرقد، حيث يقول: تبلغ مساحة المرقد الكلية 2500 متر مربع تقريباً، أما مساحة الحضرة الشريفة فتبلغ 206 أمتار مربعة، ومساحة الشباك 9 أمتار مربعة ومساحة الطارمة 74 متراً مربعاً.
مضيفاً: في المزار هناك بئر بعمق 18 متراً وعرض 50 سم يستخدمها الناس للتبرك والشفاء من الأمراض الجلدية. ويؤكد الخفاجي أن بناء الضريح الشريف تم من قبل الأهالي سنة 2002 عن طريق التبرعات، ثم ضُم إلى الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة سنة 2008، وفي سنة 2012 تمت إحالة مشروع إعمار المزار الشريف من قبل الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة إلى إحدى شركات المقاولة حيث تم تغليف الحضرة بالعين كار والجدران بالمرمر وكذلك أرضية الضريح  بمادة البور سلين وبناء الأواوين والمجمع الإداري.  
ويختتم الخفاجي حديثه بالقول: إن المزار يخدم الزوار في الزيارات المليونية لأنه يقع على الشارع الرئيس حلة ـ نجف، وتقام في هذا المزار العديد من النشاطات الثقافية والقرآنية على مدار السنة.