فداء السعيدي
إنّ مآتم الحزن على أهل البيت «عليهم السلام» بما فيها من الجلوس بعنوان الحزن على مصائب أهل البيت «ع»، والإنفاق عنهم في وجوه البرّ، وتلاوة رثائهم ومناقبهم، والبكاء رحمة لهم، سيرةٌ قطعيّة قد استمرّت عليها أئمّة الهدى من أهل البيت «ع»، وأمروا بها أولياءهم على مرّ الليالي والأيّام فورثناها منهم، وثابرنا عليها عملاً بما هو المأثور عنهم، فكيف - والحال هذه – ينكرها البعض، ويقولون فيها ما يقولون؟ والله يعلم أنّها ليست كما يظنّون.
إنّها جامعة إسلاميّة ورابطة إماميّة باسم النبيّ وآله «ص»، ينبعث عنها الاعتصام بحبل الله - عزّ وجلّ - والتمسّك بثقلي رسول الله «ص، وفيها من اجتماع القلوب على أداء أجر الرسالة بمودّة القربى، وترادف العزائم على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ما ليس في غيرها.
إنّ هذه المآتم دعوة إلى الدّين بأحسن صورة وألطف أسلوب، بل هي أعلى صرخة للإسلام توقظ الغافل من سباته، وتنبّه الجاهل من سكراته، بما تُشرِبه في قلوب المجتمعين، وتَنفُثه في آذان المستمعين، وتبثّه في العالم، وتصوّره قالباً لجميع بني آدم، من أعلام الرسالة، وآيات الإسلام، وأدلّة الدِّين، وحجج المسلمين، والسيرة النبويّة، والخصائص العلويّة، ومصائب أهل البيت في سبيل الله، وصبرهم على الأذى في إعلاء كلمة الله. (من أسرار المآتم) ما قد أثبته العيان، وشهد به الحسّ والوجدان من بثّ المعارف بسبب هذه المآتم ونشر أطراف من العلوم ببركتها، إذ هي - بشرط كونها على أصولها - أرقى مدرسة للعوامّ، يستضيئون فيها بأنوار الحكم من جوامع الكلم. إنّ المصلحة الّتي استشهد الحسين - بأبي وأمّي - في سبيلها، وسفك دمه الزكيّ تلقاءها، تستوجب استمرار هذه المآتم، وتقتضي دوامها إلى يوم القيامة.