عماد العبيدي
تفتخرُ أممُ الأرضِ بما لديها من تراثٍ وبطولاتٍ تربي عليها أجيالها، سواء كان ذلك حروباً أو فلسفة أو عمراناً أو أخلاقاً أو غير ذلك، وإن أعوزها ذلك لجأت إلى الأساطير والخرافات فتكمل به ما قصرت فيه عن غيرها كي تلحق بركب بقيَّة الأمم وتصنع لها تاريخاً يلهمُ أجيالها ويبث فيهم عناوين البطولة والمجد.
في الأمة العربيَّة التي لم يكن لها أبلغ من الإسلام عنوانٌ ظهرت شخصياتٌ عظيمة سوى النبي المصطفى «ص» حملت رسالة كبيرة وعظيمة ذاع صيتها بين أهل المعمورة، بل إنها سادت مناطق شاسعة من الأرض وأسست حضارة ما زالت شاخصة حتى الساعة تزاحم غيرها في مجدها وعنفوانها وتتسع في الآفاق.
ومن شخصيات التاريخ الإسلامي آل بيت النبي (ص) وسيدهم أبو الحسن أمير المؤمنين علي وما أدراك من علي ثم أبناؤه عليهم السلام وأخص بالذكر هنا سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين (ع) لماذا؟ لأسبابٍ عدة منها أنه كان مقرباً من النبي وكان ريحانته وأنه منه (حسين مني) وأنه من المطهرين وأنه سبط نبي وأنه قُل ما تشاء فيه من خيرٍ تجده أهلاً لذلك، فمن نِعم الله علينا أنْ كان فينا مثل الحسين «ع».
الآن نعودُ مرة أخرى لنبحث في تاريخ أمم الأرض فنجد أنها افتخرت بأمثال (أرسطو وافلاطون وفيثاغورس وأرخميدس ونيوتن وآينشتاين وكبار الفلاسفة وبعض الشخصيات الاسطوريَّة مثل هرقل وشمشون والاسكندر وحديثاً مثل الأيقونة النضاليَّة جيفارا)، على أنَّ هذه الشخصيات لهل ما لها وعليها ما عليها وعندما نقف أمام تاريخنا نجد الحسين «ع» يقفُ شامخاً ضارباً أروع الأمثلة في كل شيء، ويكفيك أنْ تنظر إلى ملحمة كربلاء لتجد فيها كل جميلٍ من بطولة وشجاعة وإباءٍ ومبادئ وصدقٍ وتضحية ومسؤولية وعزة وشرفٍ وصمود ورباطة جأشٍ وصبر وحنوٍّ وتحدٍّ واخوة وأبوُّة وترفُّقٍ... كل هذا وأكثر جسَّده الحسين عليه السلام وكان جديراً بذلك حتى يضرب لنا المثل الأروع ويخلد في الضمير «يحسين بضمايرنا» فكانت شهادته حياة للأمة «تفيض هدى وأفيض غيّاـــــ وتحيا ميتاً وأموت حياً».
لعمرك سيدي «لقد وضعت الرجال في مأزقٍ وخم فمثلك لو قيس الرجال به لكان خيراً لهم لوذٌ إلى عدم»، فللآن ما زال عنوان الرجولة مشدوداً بحضرتك وأنّى لنا بمثلك سيدي دارت رحى الأيام تطحننا وعدنا نلوذ بمجدك ونرنو إلى عظيم صبرك نستلهم منك معاني شحَّ الزمان بها بعدك فكنت المثال لنا في كل سيرتك ما أعظمك وما أسعدنا بك وما أشد حزننا على ما جرى عليك ملعونٌ من خذلك ولم ينصرك وخالدٌ من استرخص الحياة دونك، فمجرد أنْ ننطقَ بحروف اسمك نشعرُ بالفخر وبالقرب من الله ومن كل القيم الجميلة جميلٌ أنتَ في حياتك وجميلٌ في موتك عندما أعطيت للموت طعم الخلود، فيا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً، علمتنا معنى الشهادة وحلاوتها (تأخرت استبقي الحياة فلم أجد حياة مثل أن أتقدما).
إذاً كنا بحاجة إلى المثال القدوة الكامل فكنت أنت وإنْ فات البعض أنْ يفهمك، فالأيام كفيلة بأنْ تفصحَ عن صدق عقيدتك ومنهجك (فمن لحق بكم سيدي نجا ومن تخلف عنكم فاته الفتح العظيم) ومن المفارقات أنَّ الأيام اللاحقة بينت وكشفت عن كنه معدنكم فأصبحتم معياراً توزن بكم القيم وتتضح مدلهمات المحن كما أنه في شهرٍ محرَّمٍ استبيح دمكم المحرَّم فأفٍّ وألف أفٍّ لأمة ملعونة لم تقف مع الحق وتنصركم فسادها الخذلان لمّا خذلتكم وتسيّدها أراذِلُها فساموها الهون وعذابه وأضاعت بوصلتها فشقيت ونسيت وصيَّة نبيها فهلكت، أما من تمسَّك بكم فقد فاز ونجا عسى ربنا أن يغفر لنا ويلحقنا بكم فيا سعدنا لو استجاب الله لنا.
سلام الله على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.