إدوارد سعيد: حق تقرير المصير

منصة 2024/07/10
...

 ترجمة وتقديم:
د. نادية هناوي

استطاعت الصهيونيَّة بالافتراءات والأوهام التي زرعتها في أذهان الغربيين، أن تحصد الدعم والمباركة لمشروعها الاستعماري في احتلال فلسطين. ومن تلك الافتراءات إظهارها العرب بوجه إرهابي وعنصري يستوجب من الغرب المعاداة والإدانة، بينما أظهرت اليهود ضحايا العنصرية والنازية، وهي التي مارست العنصرية ضد يهود السفارديم.

ولقد استقرأ ادوارد سعيد الافتراءات والأوهام وتوصل إلى حقيقة أن "اسرائيل تواجه مستقبلا قاتما" أولا لأن قوة إسرائيل هي من دون الدعم الأمريكي لا تعني شيئا دوليًا. وثانيا أن الصهيونية لا يمكن لها أن تغطي على انتهاكاتها لحقوق الإنسان من دون توظيفها لكثير من مثقفي الغرب، باستثناء بعض منهم استعصوا عليها، منهم: نعوم تشومسكي وإسرائيل شاحاك وآي إف ستون وإلمر بيرجر وجودا ماغنيس.
ولقد عرض إدوارد سعيد في الفصل الثالث المعنون "نحو تقرير المصير الفلسطيني، من كتابه "مسألة فلسطين" مقولات وقصصا تدين الصهاينة وتؤكد وحشية أفعالهم مثل إطلاقهم النار على السجناء، وقتلهم الأسرى المصريين، وتهجيرهم الفلسطينيين من أرضهم بالقوة، ليتحولوا الى لاجئين في بلدان عربية وأجنبية. يقول سعيد: ما بين وايزمان وكنيغ توجد فترة فاصلة تمتد لعقود عدة. وما كان بمثابة إسقاط رؤيوي بالنسبة الى الأول أصبح سياقًا للقانون الفعلي بالنسبة إلى الآخر.
منذ عصر وايزمان إلى عصر كنيغ، تحولت الصهيونية بالنسبة إلى العرب، السكان الأصليين، في فلسطين من تعدٍ متزايد على حياتهم إلى واقع ثابت؛ دولة قومية تضمهم داخلها. لم تحقق إسرائيل لليهود بعد عام 1948، أطماعهم السياسية والروحية حسب، بل استمرت في انتهاز الفرص لتوجيه أولئك الذين ما زالوا يعيشون في الشتات، وإبقاء أولئك الذين عاشوا في فلسطين السابقة على حدود التطور اليهودي وتحقيق الذات.
أما إسرائيل بالنسبة الى الفلسطينيين العرب، فكانت تعني وجهًا عدائيًا في الأساس وكثيرًا من الآثار الطبيعية غير السارة. فبعد عام 1948 بدا كل فلسطيني مختفيا وطنيا وقانونيا. وقد عاد بعض الفلسطينيين إلى الظهور قانونياً باعتبارهم "ليسوا يهودا" في إسرائيل. وأولئك الذين غادروا أصبحوا "لاجئين" وبعد ذلك اكتسب بعض منهم هويات عربية أو أوروبية أو أمريكية جديدة، لكن لم يفقد أي فلسطيني هويته الفلسطينية "القديمة". ومع ذلك، فمن بين هذه الأوهام القانونية مثل عدم وجود الفلسطيني في إسرائيل وفي أماكن أخرى، ظهر الفلسطيني أخيرًا مع قدر كبير من الاهتمام الدولي المستعد أخيرًا لملاحظة النظر والتطبيق الصهيونيين.
ولا شك أن الاحتجاج الذي أطلقه الغرب بعد صدور قرار "الصهيونية عنصرية" عام 1975 في الأمم المتحدة كان حقيقيا. إنَّ إنجازات إسرائيل اليهودية، أو بالأحرى إنجازاتها لصالح يهود أوروبا، وأقل من ذلك بالنسبة للأغلبية اليهودية السفارديمية (الشرقية)، تقف أمام العالم الغربي وكأنها إنجازات كبيرة بمعظم المقاييس، ومن الصحيح ألا يتم تشويهها بالإدانة الخطابية الشاملة المرتبطة بـ "العنصرية".
أما بالنسبة الى العربي الفلسطيني الذي عاش وعرف الإجراءات الصهيونية تجاهه وتجاه أرضه، فإن المأزق معقد، لكنه ليس واضحا في النهاية. فهو يعلم أن قانون العودة الذي يسمح لليهودي بالدخول الفوري إلى إسرائيل يمنعه من العودة إلى وطنه؛ وهو يعلم أيضاً أن الغارات الإسرائيلية قتلت آلافاً من المدنيين، وكل ذلك بحجة واهية وهي مكافحة الإرهاب، ولكنها في الواقع حاولت تصوير الفلسطينيين عرقا مرادفاً للإرهاب. وقد يفهم الفلسطيني من دون أن يكون قادرًا على إتقان العملية الفكرية التي تم من خلالها تحويل إنسانيته المنتهكة، بشكل غير مسموع وغير مرئي، إلى مدح للأيديولوجية التي دمرته تقريبًا. إن العنصرية مصطلح غامض للغاية: الصهيونية هي الصهيونية. بالنسبة الى عرب فلسطين، فإن لهذا التكرار معنى يتطابق تمامًا مع ما يقال لليهود، ولكنه على النقيض منه تمامًا.
تواجه إسرائيل اليوم، المثقلة بميزانية عسكرية تستنزف 35 بالمئة من ناتجها القومي الإجمالي، ومعزولة باستثناء عدد قليل من أصدقائها الأطلسيين الذين يتزايد انتقادهم لها، ومحاطة بقضايا اجتماعية وسياسية وأيديولوجية لا يمكنها التعامل معها إلا بالانسحاب منها بالكامل. اسرائيل تواجه اليوم مستقبلا قاتما. لقد أدت مهمة السلام التي قام بها الرئيس السادات في النهاية إلى ظهور ما يشبه المعارضة لجنون بيغن اللاهوتي المتحجر، لكن من المشكوك فيه ما إذا كان أي تغيير حاسم سيأتي من هذا الجانب في غياب جهاز مفاهيمي مؤسساتي، للتصالح بشكل إنساني مع الحقائق الفلسطينية.
ولا تزال الجالية اليهودية الأمريكية ذات النفوذ القوي تفرض أموالها ونظرتها الاختزالية للأشياء على الإرادة الإسرائيلية. ثم، أيضًا، يجب على المرء ألا يتجاهل مؤسسة الدفاع الأمريكية الأكثر إثارة للريبة، والتي تعد أكثر من مجرد نظير لجوع قطاع الأعمال إلى الأسواق العربية المتضخمة بالنفط، حيث تواصل تكديس الأسلحة المتقدمة لإسرائيل.
إن التأثير الحرفي للنزعة العسكرية الإسرائيلية غير المقيدة تمت الإشارة إليه بدقة من خلال مقال في صحيفة هآرتس (24 مارس 1978) يحتفل بالمغامرة اللبنانية بالعبارات التالية: "إن ما حدث الأسبوع الماضي أظهر لكل من لديه عينان في رأسه أن قوة الدفاع الإسرائيلية هي اليوم جيش أمريكي من حيث كمية ونوعية معداتها: البنادق، وناقلات الجند، وطائرات إف-15. وحتى طائرات KFIR بمحركاتها الأميركية، شهادة ستقنع الجميع لكن حتى هذه التسبيحة لما يسميه كاتب المقال "معدات إسرائيل العسكرية الفائضة" تعادل في التأثير الدور الخبيث للمثقفين الغربيين والإسرائيليين الذين استمروا في الاحتفاء بإسرائيل والصهيونية من دون أن يرف لهم أي جفن لمدة ثلاثين عامًا. لقد لعبوا على أكمل وجه دور "خبراء الشرعية" الغرامشي غير الشرفاء وغير العقلانيين على الرغم من احتجاجهم باسم الحكمة والإنسانية.
تحققْ من السجل المشين، فلن تجد سوى حفنة صغيرة من بينهم نعوم تشومسكي، إسرائيل شاحاك، آي إف ستون، إلمر بيرجر، جودا ماغنيس الذين حاولوا رؤية ما فعلته الصهيونية بالفلسطينيين. ليس مرة واحدة فقط في عام 1948، بل على مر السنين. إن هذا الصمت شبه التام حول المعتقدات الصهيونية ومعاملة السكان الفلسطينيين الأصليين هو واحد من أكثر الأحداث الثقافية المخيفة في هذا القرن. إن أي مثقف يحترم نفسه مستعد اليوم لقول شيء ما عن انتهاكات حقوق الإنسان في الأرجنتين أو تشيلي أو جنوب أفريقيا، ولكن عندما يتم تقديم أدلة دامغة على الاحتجازات الوقائية الإسرائيلية والتعذيب ونقل السكان وترحيل العرب الفلسطينيين، لا يُقال أي شيء حرفيًا. إن مجرد التأكيد على احترام الديمقراطية في إسرائيل تكفي لإقناع دانييل موينيهان أو شاول بيلو، على سبيل المثال، بأن كل شيء على ما يرام على الجبهة الأخلاقية.
ولكن ربما لا يمكن تقدير المدى الحقيقي لتأليه الدولة، إلا عندما يقرأ المرء عن لقاء عقد في عام 1962 بين مارتن بوبر وأبراهام أديريت، والذي نُشر في عدد ديسمبر 1974 من مجلة بيتاهيم، وهي مجلة دينية إسرائيلية ربع سنوية. يشيد أديريت بالجيش باعتباره تجربة لبناء شخصية الشباب، ويستخدم على سبيل المثال حادثة وقعت خلال حرب عام 1956 مع مصر عندما أمر ضابط مجموعة من الجنود بقتل "أي أسير حرب مصري يقع في أيدي جيشنا".
ثم يتقدم عدد من المتطوعين إلى الأمام ويتم إطلاق النار على السجناء على النحو الواجب، على الرغم من أن أحد المتطوعين يؤكد أنه "أغمض عينيه عندما أطلق النار". عند هذه النقطة يقول أديريت: "ليس هناك شك في أن هذا الاختبار يمكن أن يحدث ارتباكًا لكل إنسان ذي ضمير وخبرة في الحياة، بل وأكثر من ذلك للصبية الصغار الذين يقفون في بداية حياتهم.
الأمر السيئ الذي حدث ليست الارتباكات التي كان فيها هؤلاء الشباب وقت (المأثرة) لكن في الاضطراب الداخلي الذي حدث لهم بعد ذلك". في مواجهة هذا التفسير التنويري، لا يستطيع الفيلسوف الأخلاقي بوبر، والمفكر الإنساني السابق ثنائي القومية، إلا أن يقول: "هذه قصة عظيمة وحقيقية، يجب أن تكتبها". ولا توجد كلمة واحدة عن رعب القصة، أو عن الموقف الذي جعلها ممكنة. وكما لم يسلم أي يهودي في المئة عام الماضية من أذى الصهيونية، كذلك لم يسلم منها أي فلسطيني. ومع ذلك، يجب ألا ننسى أن الفلسطيني لم يكن مجرد أداة سهلة للصهيونية، فإن حياته وثقافته وسياساته لها ديناميكيتها الخاصة، وفي النهاية أصالتها الخاصة، وهي ما ينبغي أن ننتقل إليها الآن في الفصل الثالث.

نحو تقرير المصير الفلسطيني
1 - البقية: هؤلاء في المنفى، هؤلاء تحت الاحتلال.. يوجد من العرب الفلسطينيين الآن نحو ثلاثة ملايين وربع الى اربعة ملايين منتشرين في جميع أنحاء العالم. منهم ست مئة وخمسون ألفا يسمون بالعرب الإسرائيليين، ويعيش قرابة المليون  تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة ، ومليون آخر أو نحو ذلك يعيش في الأردن، ونحو اربع مئة وخمسين الف شخص يعيشون في لبنان، وتتفرق البقية بنسب متعادلة بين دول الخليج العربي وسوريا ومصر وليبيا والعراق، وبأعداد أقل بكثير في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية. أنا متأكد من أن أي واحد من هؤلاء الأشخاص سيقول إنه في المنفى، على الرغم من أن ظروف المنفى ونوعه تختلف اختلافًا كبيرًا.
ومع ذلك، فإن وراء كل فلسطيني حقيقة عامة عظيمة وهي: أنه كان يعيش منذ وقت ليس ببعيد في أرض خاصة به تسمى فلسطين، والتي لم تعد الآن وطنه. ليست هناك حاجة إلى أي فروق دقيقة لكي يدلي الفلسطيني بمثل هذا التصريح؛ يبدو أن عددًا قليلاً جدًا من الشروط أو المؤهلات مرتبطة به. ومع ذلك، كما قال تولستوي عن العائلات، فإن الذين هم سعداء كانوا جميعًا متماثلين، والتعساء كانوا جميعا مختلفين في تعاستهم. تبدو خصوصية الصدمة الفلسطينية وكأنها واحدة لثلاثة ملايين وربع مليون من الاختلافات حول الموضوع نفسه. إليكم أحد الاختلافات التي ترويها امرأة قروية عجوز تعيش الآن في مخيم للاجئين في لبنان؛ تم تسجيل قصتها في عام 1973، فيها تتحدث عن الأحداث التي وقعت في قرية عربية صغيرة في الجليل الغربي والتي سقطت في أيدي القوات الصهيونية في ربيع عام 1948 فتقول:
""نمنا في بساتين القرية تلك الليلة. في صباح اليوم التالي، ذهبت أنا وأم حسين إلى القرية. كان الدجاج في الشوارع، فاقترحت أم حسين أن أذهب وأحضر بعض الماء. رأيت أم طه في طريقي إلى باحة القرية. بكت وقالت: "من الأفضل أن تذهبي لرؤية زوجك الميت". لقد وجدته. أصيب برصاصة في مؤخرة رأسه.
سحبته إلى الظل وذهبت لإحضار أم حسين لتساعدني في دفنه. لم أكن أعرف ما يجب القيام به. ولم أتمكن من حفر قبر له. حملناه على قطعة خشب إلى المقبرة ودفناه بشكل جانبي في قبر والدته.. حتى اليوم أشعر بالقلق وأدعو الله أن أدفنه بالطريقة الصحيحة وفي الوضع المناسب. ومكثت في كابري (قريتها) ستة أيام دون أن آكل شيئا. قررت الرحيل والانضمام إلى أختي التي فرت في وقت سابق مع عائلتها إلى سوريا. سألت (أبو إسماعيل عركة)، وهو رجل كبير في السن أن يرافقني إلى ترشيحا وقد فعل. وتركنا الآخرين في القرية. لا أعرف ماذا حدث لهم. وبقي أبو إسماعيل مع ابنه في ترشيحا، ثم توجهت إلى سوريا.
لا يمكن للمرء أن يقرأ مثل هذا السرد باللغة الإنجليزية قبل منتصف أو أواخر الستينيات. طوال عشرين عاماً بعد ظهور إسرائيل، عرف العالم بشكل عمومي "اللاجئين الفلسطينيين"، أو سمع بشكل أكثر شيوعاً عن "اللاجئين العرب".
 أحد كتب العلوم الاجتماعية الأمريكية المعتمدة حول الشرق الأوسط والمنشورة في الخمسينيات، كتاب (القوى الاجتماعية في الشرق الأوسط) حرره سيدني ن. فيشر (إيثاكا، نيويورك: مطبعة جامعة كورنيل، 1955)، تحدث في الفصل الأول عن الفلسطينيين بطريقة منفصلة ولم تكن هناك إشارة للقارئ إلى أن هؤلاء الأشخاص موجودون إلا كحافز بسيط "للتقدم" في المنطقة، أو كإحصاءات في جدول أعمال الأمم المتحدة للاجئين بشكل عام. هناك فشل أكاديمي و"استخباراتي" مماثل فيما يتعلق بالمعارضة الإيرانية للشاه، والتي عندما اندلعت عام 1979 فاجأت الجميع: ليس لأن المعارضة لم تكن موجودة، ولكن لأن أحداً لم يعتبرها تحدياً لاستقرار الشاه!
وهناك مشكلة أخرى، كانت سببا في شعور الفلسطيني بالبعد عن نفسه وعن العالم الخارجي، وهي الانقسام المستمر منذ عشرين عامًا داخل المجتمع بشكل واضح ما بين هؤلاء الفلسطينيين الذين كانوا في المنفى وأولئك الذين يعيشون في منفى داخلي منعزل داخل إسرائيل. كان الأولون يميلون إلى رؤية أنفسهم من منظور السياسة العربية ويحاولون الاندماج في أماكن إقامتهم الجديدة؛ أما الذين هم داخل اسرائيل فتم عزلهم عن العالم العربي، وحاولوا هم تشكيل حياتهم قدر استطاعتهم ضمن المساحة الصغيرة التي وفرتها لهم الهيمنة الإسرائيلية.
وفي كلتا الحالتين، كان العنصر المفقود لفترة طويلة هو وجود قوة سياسية متماسكة كافية لجعل التجربة الفلسطينية أكثر من مجرد كابوس سلبي يقع في مكان ما في تاريخ لا يمكن استرجاعه.
بطبيعة الحال، كان الشيء الرئيس المفقود هو الدولة التي كانت حتى الوقت الذي حلت فيه إسرائيل محل فلسطين ذات طابع عربي (مسلم ومسيحي). والموقف الصهيوني والغربي من هذه الحقيقة هو ما حاولتُ وصفه في الفصلين الأول والثاني، ولكن بالنسبة لأي فلسطيني، لم يكن هناك شك في أن لبلده طابعها وهويتها الخاصة. صحيح أن فلسطين كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وصحيح أيضاً أنها لم تكن مستقلة بأي معنى مقبول. ومع ذلك، أشار سكانها إلى أنفسهم على أنهم فلسطينيون، وقاموا بتمييز مهم بينهم وبين السوريين واللبنانيين وشرق الأردن.
 إن الكثير مما يمكن أن نطلق عليه تأكيد الذات الفلسطينية تم التعبير عنه ردًا على تدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، فضلا عن التصريحات الأيديولوجية التي أدلت بها المنظمات الصهيونية حول فلسطين. وفي ظل الشعور الدائم بالغزو الأجنبي، نما العرب الفلسطينيون معًا كمجتمع خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين.
 إن المسائل التي كانت تعد أمورا مفروغا منها مثل بنية المجتمع وهوية القرية والعائلة والعادات والطبخ والفولكلور واللهجة والتاريخ كانت تقدم دليلا على الفلسطينيين من لدن الفلسطينيين أنفسهم في أن وجود المستعمرات لا يحول دون أن تكون الأرض دائما وطنهم، وأنهم يشكلون عليها شعبا. ستون بالمئة من السكان يعملون في الزراعة، والباقي موزع بين سكان المدن ومجموعات بدوية صغيرة نسبيًا. كل هؤلاء الناس آمنوا أنهم ينتمون إلى أرض تسمى فلسطين. وعلى الرغم من إحساسهم بأنهم أعضاء في أمة عربية كبيرة؛ فإنهم على مدى القرن العشرين كله، كانوا يشيرون إلى بلدهم باسم "فلسطيننا".