د. طه جزاع
مما يُسَجّل للباحث في العلوم السياسيَّة إياد العنبر أنَّه قدّم للقرّاء كتاباً من تأليف هادي العلوي، لم يؤلفه في حياته، وهو الكتاب الذي بذل فيه العنبر جهوداً علميَّة حثيثة، وتواصل مع أساتذة وباحثين من أجل أن يجمع مقالات العلوي المتناثرة هنا وهناك، ولم يسبق نشرها في كتاب، ليضمها كتاب واحد تحت عنوان "مقالات في الإسلام" يضاف إلى كتب المفكر التي تناولت الفكر والتراث الإسلاميين، ومنها باكورة أعماله عن نظرية الحركة الجوهريَّة عند الشيرازي، وأضواء على معضلة الكنز في الإسلام، وفصول من تاريخ الإسلام السياسي الذي تضمن خمسة كتب تناولت خلاصات في الفكر الإسلامي، وتاريخ التعذيب، وتاريخ الاغتيال السياسي، وإضاءات، وفي الإسلام المعاصر، فضلاً عن كتبه "في الدين والتراث " و"شخصيات غير قلقة في الإسلام"، و "مدارات صوفيَّة".
تحكي الصفحات الأولى من الكتاب، رغبة الباحث في دراسة الفكر السياسي الشيعي تزامناً مع إكماله المرحلة التحضيريَّة للماجستير في العلوم السياسية بعد عام 2004 تحت إشراف الدكتور جابر حبيب جابر الذي صحَّح له فكرته عن العلوي بأنه ماركسي، بالقول "نعم، ولكنّه تجاوز الماركسيَّة، وهو من أهم الباحثين في التراث الفكريّ والتاريخ الإسلامي، وهو – والكلام ما زال لجابر – يعتمد المنهج المادّيَّ في دراسته، وفي هذه النقطة تحديداً يقدّم قراءة مختلفة للفكر الإسلامي وتاريخه".
وهذا ما شجّع العنبر للمضي في تحقيق رغبته العلمية، بعد ان حفزته عبارة قالها رشيد الخيون في تعليقه على قول العلوي عن نفسه "معارضٌ لا أصلح للسياسة "إذ يعلق الخيون" السياسة لا تصلح لمثل العلوي، لا بالقلم، ولا بالبندقية، فهو الحالم الصوفيّ الذي لا يناقض قلبه لسانه.
ماله وسرعة تقلبات السياسة وكثرة وجوهها وهو لا يجيد أبسط مقتضيات المجاملة"، ويلمح بذلك إلى مرّة تفادى فيها العلوي مصافحة الملك فيصل الثاني عند توزيع الشهادات على المتخرّجين المتفوّقين من كلية التجارة والاقتصاد في العام 1954.
وهكذا يمضي العنبر في جمع مادة كتابه متصلاً بعدد من الشخصيات التي يسَّرت له إجراءات الحصول على مقالات العلوي، ومنهم كامل شياع، وفاضل ثامر، وسعدون هليل الذين هيأوا له ما يحتاجه من مصادر نشر فيها العلوي مقالاته وبحوثه وآراءه التي دفعت الكاتب خالد سليمان الذي حاور العلوي حوار الحاضر والمستقبل لأن يطلق عليه لقب "غرامشي الإسلام" تيمناً وتشبيهاً له بالمفكر الإيطالي الماركسي المعروف أنطونيو غرامشي.
" مقالات في الإسلام" الكتاب الذي أعده وحرره العنبر بعد جهد جهيد، وصدر عن دار نشر "درابين الكتب"، مَثَّل إضافة لمكتبة العلوي الإسلامية بمحتوياته التي تضمنت قراءة في منهجيّة هادي العلويّ في دراسته التراث الإسلامي، وأحكام المرتد في الإسلام، والاتباع والإبداع في الفلسفة الإسلامية، والصراع الطبقي في الإسلام، وموضوعات أخرى تناولت الفكر العربي – الإسلامي وضرورة التجديد المنهجي، والأيديولوجية، والمعرفة، وتأملات حول الثقافة والمثقّفين، وخطوط الاستقلال في المثقَّفية الإسلامية، ومن تجارب التنظيم السري والعمل الحزبي في الإسلام، ومن خطوط التنوير الإسلامي المبكر، مع نصوص منسية من التراث، ونظرة مجملة في اقتصاديات الإسلام، ومن دون أن تخلو صفحات الكتاب من الموضوع الصيني الذي شغل العلوي كثيراً في حياته وفكره وبحوثه وترجماته، ومقارناته بين الفكرين الفلسفيين الصيني والإسلامي، ومنها بحثه عن الميتافيزيقا الإنسانية بين تشوانغ تسه والفكر الإسلامي المنشور في هذا الكتاب.
يقارن العنبر بين أفكار العلوي عن الإسلام، وموقفه تجاه العديد من المفكرين العرب المعاصرين، أمثال فهمي جدعان وحسن حنفي ومحمد أركون وحسين مروة ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي، مستنتجاً أن طروحات العلوي كانت تسعى إلى "أسلمة" الماركسية وليس "مركسة" الإسلام.
وفي ذلك حكم يستدعي الرجوع إلى كتبه المتنوعة، ومنها كتابه القديم - الجديد هذا الذي يمثل إضافة نوعية لمكتبة هادي العلوي التراثية الإسلامية.