شهد حسين محسن
يستعرض ميلان كونديرا في روايته "كائن لا تُحتَمَل خفّته" الصادرة في العام 1981، فكرتين أوّلهما هي العَود الأبدي التي أشار إليها الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه.
العَود الأبدي هو "مفهوم فَلسفي يتساءل عن معنى الحياة إن كنّا سنعيشها مراراً وتكراراً الى الأبد، هل إن ما تقوم به يستحقّ التكرار في مرحلة ما من الحياة؟".
هو مبدأ يفتح باباً لنقاشٍ مُهم حول قيمة كل فعل نقوم به.
ثمّ يتناول مفهومَي خفّة الوجود وثُقل الحياة، عبرهما يربط حياة كُل فَرد - سواءً مُثقلة او حُرّة - بفلسفة العَود الأبدي ليدفعنا نحو عدّة أسئلة منها ما هو الثقل وما هي الخفة؟
ثمّ: أيّهما أفضل، خفّة الوجود أم ثُقلُه؟.
من الجدير بالذكر أن للعنوان ترجمة أخرى وهي "وجود لا تحتمل خفته"، والتي تعكس فكرة أن الوجود يحمل خفة لا تحتملها النفس البشريّة.
بينما "كائن لا تحتمل خفته" يشير إلى الفرد بشكل محدد، فإنّ "وجود لا تحتمل خفته" يشمل الوجود المحيط بالإنسان، مما يدفع الإنسان لإضافة الثقل ليعطي الوجود معنى وعمقاً.
ولكن كونديرا يجعلنا نتساءل: هل الثقل - بكل أنواعه - هو ما يعطي حياتنا معنى حقاً؟
ولماذا نسعى نحو الخفة رغم هشاشتها؟
يقول كونديرا: "إنّ الكائن الإنساني عند الغياب التام للحِمل يصير أكثر خفّة من الهواء، محلّقاً بعيداً عن الأرض وعن الكائن الارضي".
ويُكمل: "يصير شبه واقعي وتصبح حركاته حرّة بقدر ما هي تافهة".
ما هو مقياس هذه التفاهة؟
وهل هي سبب كافٍ لرفض الخفة؟.
يتصور الثقل في الرواية عبر الارتباط بالآخر، بالماضي الشخصي، والانتماء المفرط للأفكار. بينما تمثل الخفة قتل جميع الارتباطات.
الشخصية سابينا تعتبر إجابة عن تساؤلات الخفة، حيث تمثل الخفة المفرطة، وتتنقل بين الأماكن والعلاقات دون استقرار.
رغم ذلك، تعاني من مرارة هذه الخفة، وتواجه لحظات من الألم والحاجة إلى الآخر، لكنها ترفض الاعتراف بها.
تجسد سابينا الصراع الداخلي بين التحرر والخوف من الثقل المرتبط بالالتزام.
في النهاية، تظل حرة هاربة، مما يجعل الخفة بحد ذاتها ثقلاً عليها.
أما توماس وتيريزا، فيصارعان ثقل الارتباطات؛ توماس يبحث عن الخفة عبر العلاقات العابرة ولكنه يشعر بثقل الحب الحقيقي الذي يجمعه بتيريزا.
في النهاية، يقطع توماس انتماءه المفرط لفكرة الجسد ويكتفي بارتباط الحب وبهذا يسمو لحياة أفضل عبر اختيار - نوع الثقل - الذي يحمله في حياته.
تيريزا تعاني من ثقل ارتباطها السام بماضيها ما أثقل حياتها بشكل كبير، لكنها لا تتمكن من العيش بخفة مع توماس حتّى تقطع ارتباطها بهذا الماضي.
وأخيراً، فرانز، المثقل بالأيديولوجيات، يبحث عن الخفة من خلال المشاركة في المظاهرات.
يدفن الثقل بالخفة، بينما كان عليه أن يحفر في أعماق هذا الثقل للتحرر منه.
يعكس كونديرا فكرة أن الثقل يمكن أن يمنح الحياة معنى وعمقاً، لكن الاستنتاج هو أنّ علينا اختيار نوع الثقل الذي نحمله والتخلي عمّا يعيقنا.
في حين أن الخفة المفرطة قد تؤدي إلى شعور بالفراغ والتشتت، ولكنّها ضروريّة بالحدّ المعقول لتحقيق التوازن. الحياة بلا أثقال تفقد معناها، وإن لم نلتمس الخفة في حياتنا، تصبح الحياة مرهقة.
وأخيراً، يشير كونديرا إلى أن العَود الأبدي لحياة مثقلة بشكل كثيف يكون قاتلاً، بينما العَود الأبدي لحياة خفيفة يكون فارغاً بلا معنى. التوازن بين الثقل والخفة هو الحل الأمثل، حيث نختار
نوع الثقل الذي يمنحنا العمق ونوع الخفة التي تحرّرنا من دون أن تقودنا للفراغ.