عاشوراء.. فقه الأحرار وملهم الثوار

ريبورتاج 2024/07/17
...

إبراهيم سبتي

إنَّ أيام عاشوراءِ هي موسوعة الأحرار وعشاق الإصلاح المستمدة من ثورة سبط النبيِّ في فاجعة الطف الخالدة في كربلاء، والتي قضى الإمامُ الحسين عليه السلام فيها شهيداً، مع أهلِ بيتِه الأطهار وصحبِهِ الأبرار.
إنَّ الإمام الحسين عليه السلام، كانَ وما زالَ وسيظَلُّ شاخصاً خالداً بمشروعِهِ الثوري الإصلاحيِّ وإنسانيتِه الهادرة التي تجلَّت حتى مع أعدائه في تلك الواقعة، خالداً هو بما أتى به وما آمن بما صدق به، قادماً تواقاً للتغيير مصطحباً معه نساءَ الرسالة الأصيلة وصحبَه الأبرار من مختلف شرائح المجتمع، وهذا دليلٌ لا يقبل الشك على احتواء الثورة الحسينيَّة للجميع، مؤكداً أنَّه خرج من أجل الكل والإصلاح والتقويم والتهذيب الذي يبتغيه سيعود بالتأكيد على كل الناس من دون استثناء، وبرهانٌ ساطعٌ على وقوف الإمام الخالد مع مظلوميَّة الجميع من دون النظر الى العرق أو اللون أو الطائفة أو الهويَّة.
إنَّ إنسانيَّة الإمام الحسين "ع" التي تجلّت أكثر في عاشوراء، يستمدُّ منها الثوار على طول المدى من أجل مستقبلهم والأحرار من أجل حريتهم، الدروسَ الخالدة والعِبرَ الراسخة في مبادئ الباحثين عن الإيثار والعزم للوقوف بوجه الاجحاف والاستبداد والحيف، ونصرة المظلومين في كل زمان ومكان.
إنَّ الحسين الثائر، هو رمزٌ للتحرر والتعايش السلمي والإنساني والتصالح مع الذات، فهو سيلٌ جامعٌ لكل الأحرار، لا يقف عند مذهبٍ معينٍ أو طائفة بذاتها أو قوميَّة ما، وقد تحوّل من شخصيَّة قاد ثورة عارمة على الطغيان، الى شاخصٍ لكل الثوار الطامحين للخلاص ومن رجلٍ مؤمنٍ بمبادئ الدين الحنيف وتعاليمه، الى رمزٍ شامخٍ للإيمان والورع والوفاء والتقى، ومن رجلٍ مصلحٍ ومعلمٍ إلى رمزٍ للإصلاح والتقويم ونبذ الفساد، فصارت ملحمته بمثابة ايقونة تاريخيَّة سجلت كأبرز حدثٍ في تاريخ التحرر والشهادة ضد الذل والخنوع.
إنَّ الذين استشهدوا في يوم الطف في كربلاء، رفعوا دعوة الإسلام إلى الخير والصلاح والبقاء وإدامة الدين والنهي عن الذل والفساد والشر، وصاروا مثالاً حقيقياً ظاهرا للأمة، وصنعوا مفهوماً ساطعاً جلياً في نكران الذات والتمسك بالأخلاق المثاليَّة من أجل مصير الدين والوطن من دون النظر الى خسائر الأجساد وخسارة الدنيا التي وضعوها خلف ما آمنوا به وضحوا لأجله. ومن هنا فإنَّ مدرسة الإمام الحسين عليه السلام هي تعبيرٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ رفيعٌ ونموذجيٌّ للاستشهاد والتضحية والبذل في سبيل الله والوطن والشعب، ومثالٌ لا ينسى فسجلت مكانة روحيَّة لا يمكن تخطيها أو إنكارها على جميع المستويات الإنسانيَّة. إنَّها رسالة مفادها أنَّ الثورة هي ملحمة الإنسان المظلوم الباحث عن حقه وحريته وحياته أينما يكون في هذا العالم المليء بالقهر والاضطهاد والكبت.
إنَّ الشعب العراقي الصابر المجاهد الكريم المضحي، الذي تشهد له الدنيا وأيام الصعاب والذي لم يبخل يوماً بأي شيء من أجل البلاد بكل خارطته من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، يستحق مستقبلاً وحياة تليق بحجم ومساحة هذه التضحيات، وأنْ يهبَّ الجميع من القادة والساسة الى رسم صورة ساطعة للنهوض به والتخلص من آفة الفساد الفتاكة، لأنَّ الشعب العراقي خُلِقَ ليرسم حياة مطرزة بألوان الجمال والخير وهو تواقٌ أبديٌّ إلى الحياة الكريمة ولا يحب الفتنة بكل صنوفها، ولا النزاعات بكل أشكالها ولا الانتقام ولا التناحر. إنه شعبٌ يتطلع الى مستقبلٍ مشرقٍ باهرٍ وزاهرٍ يضاهي ويساوي حجم التضحيات التي قدمّها والمعاناة التي مرّ بها. شعبٌ يستمدُّ عافيته وسلامته من ثورة الحسين عليه السلام والتي صارت فقهاً وملهمة وعنواناً بارزاً لكل أشكال التحرر والحياة الكريمة في شتى بقاع الأرض.