انتصار الحق على الباطل

ريبورتاج 2024/07/17
...

إياد مهدي عباس

لم يكن الصراع بين الحق والباطل وليد اليوم والساعة، بل هو قديم قِدم وجود الإنسان على هذه البسيطة، وما زال هذا الصراع قائماً وسيبقي ما بقي الخير والشر في هذه الحياة ، إذ اتخذ هذا الصراع عبر تأريخه الطويل أَشكالاً متعددة وصوراً مختلفة، ومن بين أبهى صوره وأكثرها تجلياً في أهدافها واستمرارية في عطائها، هي ثورة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ضد طغيان وجور بني أمية، وضد استعبادهم للإنسان وانتهاكهم لحرمته، إذ تميزت هذه الثورة عن سواها من الثورات التي حدثت عبر مسيرة التاريخ الطويلة، بميزة الخلود لِـعِظم صاحبها وسمو أهدافها، على الرغم من أنها لم تنتصر عسكريا في ساحة المعركة بحسب قوانين الحروب، بل قُتل جميع رجالاتها بمن فيهم الأطفال الرضع الذين شهدوا هذه المعركة، لكنها سَجلت انتصاراً من نوع آخر، هو بقاؤها خالدة في نفوس الأحرار، لتصبح مناراً لهم ومنهاجاً لكل ثائر يبحث عن التحرر من قيود العبودية، فشكلت ثورة الحسين تحدياً بارزاً لكل مظاهر الظلم والاستبداد في كل زمان، فمنذ حدوث هذه الثورة وما أعقبها من أحداث إلى يومنا هذا، استلهم منها كثير من الشعوب قيم البطولة والتحدي في تغيير واقعها والانتصار على مظاهر الاستبداد فيه، ورغم المحاولات الكثيرة التي بُذلت من أجل طمس معالم هذه الثورة، والإعلام المُضلل الذي مارسه حكام بني أمية وبني العباس ومن جاء بعدهم من أجل تشويه أهدافها، ظلت ثورة الحسين صرخة مدوية بوجه الظالمين إلى يومنا هذا، ولِعـظم هذه الثورة وأهميتها في مسيرة العطاء الإنساني، أُحيطت بعناية إلهية خاصة، إذ جرى الإخبار عن أحداثها من قبل وحي الله إلى نبيه الأكرم قبل وقوعها بخمسين سنة، وهذه سابقة ليس لها نظير في التاريخ الإنساني، وذلك بسبب المكانة العظيمة التي حظي بها قائد هذه الثورة عند الله وعند رسوله، إذ روت لنا كتب السير والوقائع، أن النبي الخاتم (ص) قد أخبره الوحي عن طبيعة التضحيات التي سوف تكون في هذه الثورة، وأن ابنه هذا، وأشار إلى الحسين عليه السلام، سوف يُقتل فيها على أرض تسمى كربلاء قرباناً لإعلاء كلمة الحق وتصحيحاً لمسار الدين وتوجيه الأمة للعمل بشريعة جده المصطفى، بعد أن ماتت إرادتها وتقبلت العيش مع الظالمين ورضيت بالخنوع، حتى انحرفت عن نهج الرسالة القويم الذي رسمه لها النبي الأكرم، فجاءت هذه الثورة لإيقاظ الأمة من سُباتها الطويل. لذلك لم يحدثنا التأريخ عن إنموذج آخر مماثل على امتداد تجاربه في إطار الصراع الإنساني، كما حدثنا عن ثورة الطف وحجم التضحيات الكبيرة التي قدمها البيت النبوي الطاهر، بقيادة سبط النبي الحسين بن علي وأهل بيته، وثلة مخلصة من أصحابه الكرام،  وذلك في العاشر من محرم الحرام من العام الحادي والستين للهجرة، فجاءت الأخبار عنها وعن قائدها ومكان حدوثها والأرض التي ستدور عليها رحاها، فهي ملحمة ذات طابع إلهي خاص، تحمل أهدافاً سامية اقتضت المشيئة الإلهية أن تُسفك فيها دماء طاهرة من بيت الرسالة والنبوة، كي تكون عِبرة وعَبرة لجميع الأجيال القادمة، وشاهداً على انتصار الدم على السيف وانتصار الحق على الباطل ، فكان إخبار النبي (ص) عنها لبعض أمهات المؤمنين من أزواجه وأصحابه الكرام، كي يُهيئ لهذه الثورة أسباب الخلود والديمومة، ويضفي عليها شرعية البقاء مهما طال الزمان، حتى تظل مشعلاً ينير دروب الثائرين، وصرخة مدوية ضد الاستعباد والفساد في كل مكان وزمان، لذا كانت الثورة الحسينية بمدلولاتها القيمية امتداداً لثورة الإصلاح المحمدية، ومنها تستمد زخمها الإنساني الخالد، فهنا يتجلى لنا سر قول النبي الأكرم: (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا).
 ومن المميزات الأخرى لثورة الحسين عليه السلام، تنوع الفئات العمرية التي شاركت في نصرة الإمام، فكانت تركيبة الجيش الحسيني خليطا من كهول وشباب وأطفال ونساء، وكان جلهم من أبناء الإمام وأبناء أخيه وعمومته وأبناء أُخته، هذه الثلة المجاهدة والصابرة أصبحت في ما بعد نبراساً للأجيال القادمة، في التصدي للظلم والوقوف مع الحق ضد الباطل ورفض الطغيان مهما كان نوعه، ومن الشعوب التي اتخذت من ثورة الحسين شعارا لها ودثارا في نضالها هو الشعب العراقي، وذلك حينما تصدي أبناء العراق من شماله إلى جنوبه بشيبه وشبابه ونسائه للهجمة البربرية الشرسة لعصابات داعش، التي استهدفت العراق بمختلف مكوناته وأطيافه، فهو خير برهان على استلهام روح التضحية من ثورة أبي الأحرار الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس، في شحذ الهمم والأخذ بأسباب النصر، فكان شعار الأبطال المتصدين لداعش: هيهات منا الذلة، وهو شعار رفعه الإمام الحسين عليه السلام في قتاله ضد الجيش الأموي.