باسم محمد حبيب
طرح السيد مطهري في أحد كتبه، أن هناك ثلاثة أنواع من قتلة الحسين: النوع الأول - قتلته الفعليون، أي جيش يزيد بن معاوية وممثله على العراق عبيد الله بن زياد، والنوع الثاني - الذين قالوا إنه قتل بسيف جده، والنوع الثالث - الذين شوهوا صورته وفهموا ثورته بعكس ما هدفت أو سعت إليه، إذ أشار إلى أن النوع الثالث هم أشد الأنواع الثلاثة سوءا وأكثرهم إيذاء له، لأنهم يخاطبون التاريخ، ويقومون بنقل صورة مشوهة عن الواقعة إلى الأجيال التالية، من خلال ربطها بقصد أو من دون قصد بالصراع على السلطة وبالخلاف بين العائلتين الهاشمية والأموية، وهي رؤية أقل ما يقال عنها أنها سطحية، لأنها لا تنظر إلى العوامل الأكثر عمقا المسببة للواقعة، وعلى رأسها التعارض الواضح بين ممارسات السلطة وأفعال جيوشها وإدارييها، ومبادئ الإسلام، فلا يمكن للإمام الحسين، وهو حفيد رسول الله، أن يتنكر لهذا التعارض الصارخ، لاسيما شبه الاستعباد الجماعي للشعوب التي جرى إخضاعها لسيطرة الدولة العربية الإسلامية، والتمييز بين العرب والموالي، وممارسة العنف المفرط ضد المعارضين، والاستغلال الاقتصادي للبلدان المفتوحة .. إلخ، فكان أمام الحسين أمران لا ثالث لهما: إما ضمان السلامة بالسكوت والقبول بما كان يحصل، وهذا ما يؤدي إلى إيصال صورة لم يرد لها أن تصل بتلك الشاكلة عن الإسلام، أو رفض ما يحصل من خلال مواجهة السلطة وأذنابها، واصفا الطرف الآخر بأوصاف أقل ما يقال عنها أنها نقيضة لصورة الإسلام التي يؤمن بها، إذ قال في إحدى خطبه: " تبا لكم يا شذاذ الآفاق ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ومطفئي السنن .. " كما وصف حركته بأنها حركة غايتها الإصلاح قائلا : "لم أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله "، لذا ليس غريبا أن تواجه حركته رفضا من قبل زعماء كثير من قبائل الفتح العربي الإسلامي، الذين رأوا فيها خطرا على نفوذهم وتهديدا لمصالحهم، ما جعلهم لا يتجاهلون دعوة الإمام الحسين لنصرته فقط، بل يقومون بالاشتراك في الجيش الذي خرج لمواجهته، وأكثر من ذلك الإسهام في قتله أيضا، كما واجه الإمام الحسين تخاذلا كبيرا من أبناء الصحابة، ومن كثير من أقربائه وأبناء عمومته، لأن الذين خرجوا معه منهم لا يشكلون إلا نسبة صغيرة منهم، وبالتأكيد لا يمكن ربط هذا التخاذل بالخشية من فقدان الامتيازات، والخوف من السلطة وسياستها في العنف والبطش بالمعارضين فقط، بل وفي عدم قبولهم بالرؤية الحسينية للإسلام، وهي رؤية عمادها رفض سياسة التمييز التي مارستها الدولة الأموية ضد المسلمين أو الخاضعين لنفوذها وسلطتها، ومساواة العرب وغير العرب في العطاء، فضلا عن أشكال الظلم الأخرى، وهكذا يمكننا أيضا تحديد من امتنعوا عن تلبية ندائه وتخاذلوا عن نصرته بثلاثة أنواع أيضا: الذين امتنعوا عن نصرته فعليا، والذين رأوا أن الإمام الحسين اجتهد فأصاب في مقابل من اجتهد وأخطأ، والذين لم يصلوا إلى ما أراده الحسين من ثورته، أو تركوا اللب واهتموا بالقشور، ومن هؤلاء من لم يسر على هدي الحسين أو يطبق ما أراده .