عباس الصباغ
الانحرافات الكبيرة والمشاريع التضحويَّة الاستراتيجيَّة تحتاجُ الى مُصْلِحين كبارٍ وعظامٍ من العيار الثقيل؛ أي من طراز الحسين (ع)، وأي مشروعٍ هو أهم من مشروع تصحيح الانحراف الكبير والاعوجاج الاستراتيجي الذي اعتور أمة جده العظيم (ص)؟ وضياع الجهود الكبيرة والإنجازات المهمَّة والتضحيات العملاقة التي بذلها الرسول وصحابته الكرام ابتداءً من الهجرة الشريفة وتأسيس الدولة الإسلاميَّة الفتيَّة وانتهاءً بسقوطه صريعاً على صعيد كربلاء والذي كان هو الميدان العملي لمشروع التضحية الذي عمّد بالدماء الطاهرة وبتقديم القرابين العزيزة من الأبناء والأهل من بني هاشم والأصحاب المخلصين الأكارم، فيتحقق المشروع الجهادي الشمولي ليس بالشعارات الرنانة والخطب الجوفاء والوعود التي لا تتحقق، ليترجم شعاره الذي أعلنه من البداية للجميع وبوضوحٍ وبصراحة متناهية ببرنامجه الذي أعلنه الى أخيه محمد ابن الحنفيَّة (وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب النجاح والصلاح في اُمّة جدّي محمّد، اُريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رَدَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خيرُ الحاكمين) ليحوّل برنامجه الإصلاحي الى واقعٍ عمليٍ ملموسٍ وفي جميع ميادين الحياة كونه إماماً مفترض الطاعة لجميع أمة جده الكريم، ولم يشتمل مشروع الإصلاح الحسيني الشمولي على أيَّة جنبة سياسيَّة أو طموح سياسي في السلطة سوى تحقيق العدل والحياة الكريمة واللائقة بالإنسان ونبذ التمييز العنصري حسب مبدأ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وحسب نظريَّة الرسول الأكرم (أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)، التنوع الجندري والاجتماعي والإثني عماد مشروعي الإصلاحي بدون تفريقٍ بين جنسٍ عن جنسٍ آخر او مستوى اجتماعي عن مستوى آخر أو سنّ عن آخر ولهذا كان الإنسان وسيلته وغايته.
لذا لا يجب القبول بمبدأ أنَّ ثورة الحسين هي الثورة التي قامت ضمن ثنائيَّة الحاكم/ المحكوم بعد أنْ استحالت بلاد الله العريضة الى بستان قريش والعباد الذين أكرمهم الله الى عبيدٍ والخليفة الى سلطان الله في الأرض وهو مؤتمنٌ على الرعيَّة ، إذنْ لا بُدَّ من إعلان الثورة وإطلاق مشروع الإصلاح الشامل ليس كرد فعلٍ شخصيٍ على المظالم وليس ضد الحاكم الجائر والسلطة الفاسدة فحسب، بل كان مشروع ثورة الحسين الإصلاحي الشمولي والاستراتيجي ضد مشروعٍ ظلامي أُريدَ منه إرجاع الأمة (أمة محمد) الى الجاهليَّة الأولى بعد أنْ خلّصهم الإسلام منها وصاروا (خير أمة أُخْرِجت للناس) بجهود النبي (ص) وصحابته الكرام تلك الجهود التي صادرها الحكم الأموي (التحاصصي) الجائر وتولية غير المناسب في المكان المناسب، بل كان المشروع الحسيني الإصلاحي هو الســعي من أجل تحقيق الإصلاح الشامل في الأمة، وليس تحقيق أيَّة مصالح شخصيَّة أو فرديَّة أو حتى مزاجيَّة، أو السعي من أجل تسلم السلطة كما يشاع.
إنّ الإمام الشهيد (عليه السلام) نهض من أجل الإصلاح وإعادة أمور الدين إلى نصابها كما كانت في عهد الرسول العظيم والخلفاء الراشدين في صدر الإسلام.
القضيَّة ليست موقفاً شخصياً ذاتياً، إنَّما هي قضيَّة إنسانيَّة شموليَّة تتعلقُ بالحفاظ على مصلحة الأُمّة، فلم يكن الحسين (عليه السلام) ثائراً يتمرَّد على الذل من موقع إحساسه الذاتي بالكرامة، أو التزامه العائلي بالعزّة، ولم يكن إنساناً متمرّداً على الواقع في المزاج التمرّدي الذي يرفض الأوضاع الخاصّة التي لا تنسجم مع مزاجه، بل كانت ثورته من أجل وضع النقاط على الحروف، وقد وضعها عليه السلام باستشهاده المدوي الذي بقي صداه يتردّدُ الى الآن والى ما شاء الله.