لم تتعرض جريمة او مجزرة بشرية كبرى لتكرار ارتكابها مثلما تعرضت له مجزرة سبايكر ؛ ذلك لأن عبثا سياسيا وعدم احترام لقضايا البلد ودماء الأبرياء فيه ، قام به بعض المتآمرين على وحدة العراق وقيمته وهيبته ، حيث حاول بعضهم نفي الحادثة الأليمة بكل احمرار دمها الذي صبغ مياه دجلة ، بينما حاول البعض الآخر _ مدعوما بالإعلام المغرض المدفوع الثمن - التقليل من حجم الكارثة ، بالقول إن الشهداء لايتجاوز عددهم عدد الأصابع ، وأنه لاشيء يثبت عملية ذبحهم البشعة !! .
كل هذه السيناريوهات كنا نسمعها ونسخر من انظارنا حين كنا نشاهد افلام الفيديو التي تبثها داعش عبر الاعلام الالكتروني ؛ والأغرب منه اننا كنا نسمع ونرى بعض ضعاف النفوس من الساسة المنتفعين ، نراهم يصرون على إزاحة صدى بشاعة هذه الجريمة ، عن واجهة الذاكرة الجمعية للرأي العام العراقي لكي لا تأخذ صداها عربيا وعالميا بوصفها أبشع جريمة ذبح جماعي ارتكبت في العصر الحديث .
وبين متآمر مع داعش على ذبحهم واعلام أجير لاتهمه دماء الشهداء ، بقيت الحادثة بصدى مخنوق لكي يتم وأد صداها ثم اندثارها محليا ؛ إلا ان صوت الدماء أعلى ولقد تسنى لنا - في وقت كانت وزارة الثقافة منشغلة بترف وزيرها - أن نفتح ملف سبايكر إلى الاعلام الغفوي الخارجي ، وهو الاعلام الأكثر صدقية واقرب للرسوخ في الوعي الجمعي ؛ فلقد تمكن كاتب هذه السطور من استضافة فنانين وأدباء عرب واصطحابهم إلى حيث منحر الابرياء في موقع المجزرة ؛ وهو المشهد الذي تعطلت فيه اللغة تماما ولاذت بالدمع كي يعينها على النطق .
كانت فرصة ثمينة أن يطلع على الحقيقة الصارخة ، ثلة من كبار الفنانين المصريين وشعراء من السودان وتونس وسورية فضلا عن وجود شيخ أزهري بين الوفد، وقد صادف تواجدهم في موقع المجزرة العثور على مقبرة جماعية لعدد من المغدورين في سبايكر وتمت عملية إخراج جثثهم امام اعين الوفد ليكون الدمع سيد المشهد.
الآن، وبعد كل هذا الزمن الذي مر على الحادثة ، علينا أن نتعلم من الآخرين كيف نوثق حوادثنا ونخلد ذكر شهدائنا ولا بأس أن نتعلم من كردستان وكيف خلد الأكراد مجزرة الأنفال وأقاموا بانوراما وشواهد تؤرخ للحادثة. لذلك هي فرصة كبيرة لأن نصنع من مكان مأساة سبايكر مَعلماً عراقيا ، نستقبل فيه كل الوفود الرسمية والسياحية وياحبذا أن يعتمد ضمن البروتوكولات بأن يدرج موضوع زيارة مكان المجزرة - بعد تهيئته - ضمن منهاج الزيارات الرسمية ، حيث تقوم الجهات الرسمية العراقية باصطحاب كل الوافدين الرسميين ، إلى مكان المجزرة ووضع باقة ورد على ضريح رمزي مشترك مع وجود مايشرح تفاصيل المجزرة لكي يطلع العالم على جرائم داعش الوحشية ، وتضحيات العراق العظيمة.