الديمقراطيَّة وأذن المرشّح الرئاسي

قضايا عربية ودولية 2024/07/16
...

علي حسن الفواز

كشفت المحاولة الفاشلة لاغتيال المرشّح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب عن خلل عميق في سرديات الديمقراطيَّة الأميركيَّة، وعن أنَّ العنف ليس بعيداً عن فرضياتها في التعاطي مع مفاهيم الرئاسة والأمن والحريَّة والعلاقة مع الآخر.
لم تكن هذه المحاولة اغتيالاً أمنياً فحسب، بل كانت اغتيالاً سياسياً أيضاً، ورسالة إلى "الديمقراطيين والجمهوريين" بأنَّ ما يجري يتجاوز حدود الديمقراطية، ويذهب باتجاه الكشف عمّا هو غامض في ملفات المصالح والحسابات الداخلية، والتي تجعل من واجهة الرئاسة قناعاً لها، وأنَّ من قام بعملية الاغتيال قد قُتل فوراً من "الشرطة السرية" ليموت معه سرٌ من الأسباب الخفية لنوايا الاغتيال.
قد تكون إصابة المرشح الرئاسي في "أذنه" لها دلالة رمزية، وإيحاء بما تحمله حاسة "السمع" من إشارة لها أثرها في تداولية الإصغاء إلى الآخرين، وأنَّ ما ظهر في وسائل الإعلام من صور للدم الرئاسي يضع المشاهد في سياق تعطيل هذه التداولية، وأمام أسطورة نظيرة للقربان الذي قدّمه هذا المرشح لنيل ثقة الناخبين..
السؤال العميق في هذا السياق: هل سيكون لهذه المحاولة تداعيات على نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة؟
ليست الإجابة بعيدة، ولا حرجة، فالطريقة التي خرج بها "ترامب" بعد أن سيطر رجال الأمن على المشهد توحي برمزية فائقة الدلالة، فظهر وكأنه المنتصر، وأنه صورة للمستقبل الأميركي الذي يتحدى العنف والإرهاب، وأنَّ ترشيحه للرئاسة هو ترشيح للبطولة وليس للضعف الذي ظهر به الرئيس الحالي والمرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن..
قراءة المشهد الأمني الأميركي ترتبط بقراءة الطابع الشعبوي الذي تركه ترامب خلال "خدمته الرئاسية" فما جرى من أحداث عنصرية، ومن هجوم على مجلس النواب، يمكن أن يفضح "النسق المضمر" للعنف الأميركي، وبالاتجاه الذي يجعل من "مسلسله" مفتوحاً على احتمالات متعددة، قد تدخل في حسابات الرئاسة والديمقراطية والحقوق، وحتى في النظر إلى العلاقات الدولية، وإلى حساسية الولايات المتحدة إزاء الآخرين..
وضعت تداعيات محاولة الاغتيال الفاشلة، بقطع النظر عمّا يحوط بها من شبهات، المزاج الأميركي أمام خنادق واصطفافات جديدة، فبعض قادة الرأي، وأصحاب بعض الشركات العابرة للقارات، وحتى بعض السياسيين انحازوا إلى "ترامب الضحية" والمجاهرة بالدفاع عنه بوصفه دفاعاً عن الهوية الأميركية والديمقراطية الأميريكية، وهو ما كشفت عنه الدعوات المتعددة لإسقاط "التهم الفيدرالية" عن ترامب، ليكون حاضراً بدون ضغوط في الموسم الانتخابي المقبل.