أحمد عبد الحسين
قُتل الحسينُ صلوات الله عليه على يد أناس مسلمين، يصلّون ويصومون ويحجّون البيت ويقرؤون القرآن، وقد وقفوا أمامه يوم عاشوراء، وكلٌّ منهم في يده السيف أو الرمح وفي يده الأخرى مصحفٌ. وكانوا ـ يا للسخرية ـ يتأولون عليه الكتاب الذي أنزل في بيته!
لذا، في ذروة المعركة قال لهم عليه السلام: إن لم يكن لكم دينٌ فكونوا أحراراً في دنياكم. فأوضح أنّ ما في أيديهم ليس ديناً، وأن صلاتهم وصيامهم وقراءتهم القرآن وحجهم وزكاتهم لا تجعلهم مسلمين. ولذا ورد عن الإمام الصادق: "كفر الناس كلّهم بعد مقتل الحسين إلا ثلاثة ثم لحقوا بعد ذلك وكثروا" .
قتلة الحسين لم يكن لهم دينٌ يحجزهم عن ارتكاب الإثم الأكبر، ولم يكونوا أحراراً ليمتنعوا عن طاعة من بيده المال والقوة والنفوذ، أو ليعملوا عقولهم ويكفوا عن المضيّ في ارتكاب أكبر جريمة في الوجود، لأنّ من ليس حراً لن يكون له سلطان على نفسه، سيسلم أمره طواعية لكل من يمتلك أسباب القوة.
هذا عين ما يحدث في كل زمان ومكان: يريد الإنسان الدنيا بكل ما أؤتي من قوّة، يريد أن يشربها بالكأس الكبيرة مالاً ومقتنيات وعقارات ولذائذ، لكنه ينسى أن لذلك ثمناً عليه أن يدفعه: خسارة نفسه.
لم يتعلّم الإنسان "ولن يتعلّم" الفارق الكبير لكنْ الدقيق بين التملّك والكينونة، فظل يحسب أنه كائنٌ بمقدار ما يحوز ويملك، غير عارف أن التخلّي لا التملّك هو مفتاح حريته.
ولذا قال سيد الشهداء نفسه في يوم الطفّ هذه العبارة البليغة "ألا حرٌّ يدعُ هذه اللماظة لأهلها"؟. واللماظة يعني بها هنا الحياة كلها، وهي بقايا الطعام الذي يعلق بين الأسنان فيجعل رائحة الفم كريهة منتنة.
والناس، أكثر الناس، أمس واليوم وغداً ليس لهم دين إلا كدين أولئك، حركات جسد ولقلقة لسان، وليست لهم حريّة إلا كحرية هؤلاء: مراكمة أموالٍ وحيازة مسكوكات إلى أن يصبحوا أفواهاً نتنة تليق بالحفرة التي ستضمهم.
وقفة الحسين في كربلاء امتحان لهذه الأمة حدّد فيه سيد الشهداء معنى الدين لمن يريد أن يكون متديناً، كما حدد معنى الحرية لمن يريد أن يكون حراً. وقد سقط كثيرون، كثيرون جداً في هذا الامتحان.