سيناريو مُرتَقب لمشهد الالتقاء والتلاقح

منصة 2024/07/21
...

  رضا المحمداوي

فرضت الدراما العراقية نفسها بأنواعها وتصنيفاتها المتعددة على واقع الحياة الفنية لدينا، وتمكنت من سحب الأضواء إلى مناطق اشتغالاتها المتنوعة، نظراً لما تتمتع به هذه الأعمال من حيوية وتجدد وقدرة كبيرة في التفاعل والتواصل مع الجمهور العام.

وجاء مؤتمر القصة الخامس تحت عنوان {علاقة السرد القصصي بالدراما العراقية}، الذي عقد في محافظة النجف الاشرف حزيران 2024 وبمبادرة تُحسب لاتحاد الأدباء فيها.

ليثير قضية الدراما العراقية مرةً اخرى من جديد. بما يكتنف حضورها من شجون وشؤون عديدة تمس وجودها وآليات عملها، لا سيِّما الميزانيات الإنتاجية الكبيرة اللازمة لديمومة الإنتاج وطرح ومناقشة المعوقات والمشكلات، التي تحول دون استمرار حضورها الدائم على الشاشة .

ومن عوامل نجاح هذا المؤتمر الثقافي أنه اتخذ صيغة أو طبيعة المؤتمر النوعي التخصصي، وحاز على هوية ذات وجهين الأول سردي (قصة ورواية) والثاني درامي فني (دراما تلفزيونية وسينما ومسرح) وطرح إشكالية العلاقة التلاقحية أو التفاعلية بين الوجهين. 

كما أنَّ توقيت إقامة المؤتمر جاء موفقاً بتزامنه مع مشاريع دعم الدراما التلفزيونية والإنتاج السينمائي، التي أولاها رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني أهميةً خاصةً وَحَرَصَ على ديمومة دوران عجلة الإنتاج فيهما.

ولا عجب أنْ تنال الدراما التلفزيونية هذا الاهتمام، وأنْ تحتل هذه المساحة الواسعة من مجريات مؤتمر السرد والدراما، لأن الفن الثامن أصبح من أهم السرديات الكبرى في وقتنا الراهن.. سرديات تمثّلتْ في الآلآف الروايات والقصص والأعمال الدرامية، فضلاً عما تتمتع به السرديات من إمكانيات وقدرات عالية في توثيق الوقائع والأحداث وحفظها، لتكون الشاهد الحي الدائم على هذه المجريات المجتمعية، لا سيِّما أنَّ ثمة متغيرات عاصفة أصابت المجتمع العراقي وبدأنا نتلمس آثارها وتداعياتها في العشرين عاما الأخيرة التي أعقبت سقوط النظام، ولا بُدَّ لهذه الأحداث أنْ تترك آثارها السايكولوجية على المجتمع، سواء من حيث المزاج العام والتصرفات والسلوكيات العامة، إضافةً إلى ما تركتْهُ من حوافز وبواعث للأفعال وردودها التي عملتْ بدورها على استفزاز وإثارة عواطف الناس ومشاعرها، ودفعتْ بهم لكي يكونوا جزءاً من ظواهر وأزمات اجتماعية عديدة، ليجيء العمل الدرامي ويتوقف عندها ويحاول استثمارها وتوظيفها في أعمال تستل شخوصها وأحداثها، من طبيعة الواقع المأزوم والمتحرك والمنفعل بالأحداث، لتنتقل به إلى مشهدية درامية مجسدة على 

الشاشة.

جانب ذو صبغة أدبية- فنية مشتركة أثارها المؤتمر وطُرحتْ فيه آراء وقناعات ووجهات نظر مختلفة إلى حد التناقض، تمثّلَت بالتوقف عند المواصفات والعناصر والمقومات، التي يتوجب توافرها في النص السردي لتجعلَهُ صالحاً للإعداد الدرامي في السينما والتلفزيون على وجه الخصوص.

فبعض الآراء ذهبتْ إلى القول أنَّ كل الأعمال السردية صالحة للإعداد الدرامي الفني، في حين أنَّ وجهات نظر أخرى نَفَتْ هذا الإطلاق العام تماماً،وذهبتْ للقول إلى أنَّ كل من السرد والدراما الصورية عالمان مختلفان وقد لا يلتقيان دائماً.

ولا بُدَّ من الإقرار في أنَّ تحويل وإعداد (رواية أو قصة)، ليكون نصاً درامياً ناجحاً من خلال كتابة السيناريو والحوار له ليستْ عمليةً سهلةً ولا تتيسر لعدد كبير من المؤلفين، بل صعبة ومتشابكة العناصر والمقومات، لأن كلا الفنين (السرد والدراما) ينتميان ويعيشان في وسطين تعبيريين مختلفين كلياً عن بعضهما. 

فبينما يتخذ السرد من الكلمات وسيطاً تعبيرياً للوصول إلى المتلقي، نجد الدراما السينمائية والتلفزيونية ترتكز أساساً على الصور المتحركة في تتابعها وتواليها المتدفق مجسدةً على الشاشة.

وفي الوقت الذي يوصف فيه السرد بأنه الإخبار بما حدث، فأنَّ الدراما تبقى عبارة عن قصةٍ مُمَثّلة، ومن هنا تأتي صعوبة المهمة الملقاة على عاتق السيناريست، وهو يبحث عن طريقة أو اسلوب أو آلية اشتغال فني ينقل به السرد القصصي من الورقة إلى الشاشة ومنها إلى المتلقي .

وبهذا الصدد تشترط فلسفة إعادة إنتاج المعنى الموجود في النص القصصي والروائي على السيناريست عملية نقل تدفق الكلمات إلى تدفق صوري وفي ايقاع درامي متصاعد ووفق شروط تنسجم مع متطلبات الفن الدرامي، وفي خضم إجراء هذه المعالجة الدرامية سنكون أزاء نوعين من البنى الفنية أوَّلها بنية النص السردية بطبيعتها الداخلية الغائرة في العمق، وثانيها البنية الدرامية الظاهرة والواضحة، التي يُفترض أنها سيتم تجسيدها على الشاشة.

العملية برمتها تبدو وكأنها سحب أو جرّ النص السردي من منطقة اشتغاله التقليدية المعروفة إلى مساحة جمالية تخضع عناصرها ومكوناتها لمنظومة درامية صورية متحكمة، يتولى السيناريست فيها البحث والتنقيب عن المكامن الدرامية في النص السردي لمعالجتها بفطنتهِ ونباهتهِ آخذاً بنظر الاعتبار الخضوع للضرورة 

الدرامية.

وتتبدى حساسية ودقة الضرورة الدرامية وتبعاتها الفنية في التعامل مع أهم عناصر وتقنيات السرد الواردة في النص القصصي ومنها كيفية معالجة الوصف والتخييل والمعلومات، وكذلك كيفية معالجة الزمن بأنواعهِ ونقلهِ من زمن مجرد في السرد إلى زمن محسوس على الشاشة، فضلاً عن التعامل مع آلية تحويل الأفكار إلى أفعال وردود أفعال مقابلة.

وقبل ذلك كله كيفية تحويل الشخصية السردية بطبيعتها الورقية الشبحية العائمة إلى شخصية درامية (كاركتر) راكزة، ذات أبعاد وملامح محددة وواضحة يجسّدها ممثل على الشاشة.