هدى عبد الحر
البيت هو الوطن الصغير، مقولة دائماً ما نردّدها أو نسمعها، فهو بتفاصيله الدقيقة والبسيطة والمتواضعة، يكوّن عالماً متناغماً معنا، ويشكّل دواخلنا قبل أن نشكّله، وتنشأ بيننا علاقة عامرة وراسخة مع أبسط الأدوات والزوايا والأركان التي تمثله.
ولا شك في أن هذا المكان "البيت" المحبّبُ لنفوسنا لا تأتي محبته من فراغ ومن دون أسباب، إذ أن هناك عوامل مهمة كثيرة هي من تخلق هذه الأواصر التي تجعلنا نرتبط به، ولعلّ من أهمها هي ذكريات الطفولة والشعور بالأمان في لحظات العواصف العاتية والأمطار الشديدة.
ومن ثمّ سيكون البيت هو الملجأ دائماً، والحصن المنيع الذي نشعر داخله بالسكينة؛ لذا نحبه ونعود إليه بكل شوق ولهفة كلما ابتعدنا عنه.
لقد قدمت الدراما، المسلسلات القديمة خاصة، فرصة عظيمة في ممارسة الحنين وإشعال جذوة الذكريات؛ فعندما نعيد مشاهدتها الآن نلمح بعض أمكنة الطفولة التي عشنا فيها ولا تزال عالقة في الأذهان.
ففي مشاهد
البيوت، نلمح تلك الأنواع القديمة من الأثاث: "تلفزيونات، ثلاجات، مراوح، آرائك، كراسٍ، صور، لوحات، إكسسوارات..."، كانت يوماً ما هي ما يحيط بنا ونتفاعل معه.
فنشعر بالحنين الجارف لتلك البيوت التي تغيرت وتبدلت بسرعة وفي غفلة منّا.
وهنا يطرح سؤال يرادوني كثيراً حول أثر الدراما في إعادة ترتيب بيوتنا
وتشكيلها.
فقد كنا نتأثر ونحاول أن نجعل الصالة شبيهة بتلك التي ظهرت في مسلسل "الأماني الضالة"، أو تحاول ربّة البيت أن تبحث عن تلك "طخم الجلوس"، التي ظهرت في مسلسل "نادية"، أو اللوحة العالمية الشهيرة التي تظهر في بعض المشاهد المتكّررة، أو عن نوع معين من الأكواب كنا نراه في برامج
معينة.
الحقيقة هي أن الدراما التلفزيونية لها دور بالغ وكبير في تغيير أثاث البيت، وطريقة فرشه وتنسيقه؛ فهي ترسّخ ذوقاً ما يبدو متعالياً، ما يجعله متبوعاً ومطلوباً؛ وهي بذلك تخلق الأنموذج الذي تبحث عنه ربّة المنزل.
وقد زادت أهمية الدراما، لأنّها كانت المتنفس الوحيد الذي نرى من خلاله العالم، فلا سفر أو فضائيات ووسائل تواصل.
أما الآن فتغير كلّ شيء، ولكن هاجس حفظ الأمكنة - لا سيما البيوت- لا يزال وارداً في الدراما على الرغم من تعدّد منافذ الاطلاع التي جعلت العالم كلّه بين يديك.
إنني في طفولتي أتذكر العديد من الغرف، التي كنتُ أراها خاصة بالأطفال، فيها كراسٍ ومنضدة ومصباح منضدي "تيبل لامب"، كنت أتوق لأن أمتلك غرفة خاصة، أضع فيها كل مقتنياتي التي تصورتها كثيرة في ذلك الزمن.
ولو قدّر لي أن أؤثث غرفة الآن فإنها ستكون بكل تأكيد مثل تلك الغرف
القديمة.
إن خصوصية البيت وعلاقته الدائمة في ما نراه لا تزال تحتاج منا إلى وقفات كثيرة، نتتبع من خلالها عالم التأثير المستمر ما بين الدراما والمتلقي في الأثاث، والأزياء، واللهجة، ومن ثم، وهو الأهم، في الطباع وردود الفعل، التي مما لا شك ولا ريب فيه أن الدراما قد غيرتها وغيرتها إلى
الأبد.