وقعت الأزمة المالية العالمية في العام 2008، على خلفية إفلاس بنك “ليمان براذرز” ما أدى لاضطراب الأسواق المالية إضافة للاتجاه الهابط الذي خيّم على الاقتصاد العالمي حينذاك. ودفعت تلك الأزمة البنوك المركزية الكبرى حول العالم إلى اللجوء لبرامج التيسير الكمي التي من شأنها ضخ سيولة في الأسواق لدفع عجلة الاقتصاد وتعزيز النمو.
لكن قبل سنوات قليلة مضت بدأت البنوك المركزية تبتعد تدريجيا عن تلك السياسات التحفيزية والاتجاه نحو التشديد النقدي تزامناً مع نمو قوي في الاقتصاد العالمي، في حين أن التخلص من السياسة النقدية الفضفاضة صاحبته إشارات حول تباطؤ اقتصادي عالمي وسط القلق التجاري والجيوسياسي.
ودفعت حالة عدم اليقين هذه البنوك المركزية لتغيير لهجتهم المتشددة ورفع راية “الترقب والانتظار” لحين إشعار آخر خوفاً من الدخول في مرحلة ركود اقتصادي عالمي.
تباطؤ اقتصادي
في حال أصبح هذا التباطؤ الاقتصادي شديدا للغاية، فقد تحتاج الدول لمزيد من الإجراءات التحفيزية التي تعزز النمو الاقتصادي.
وكان صندوق النقد الدولي خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي للمرة الثالثة في غضون 6 أشهر بفعل التوترات التجارية المتنامية وأوضاع السياسة النقدية.
ويتوقع صندوق النقد أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3 بالمئة خلال العام الحالي وهي أقل بنحو 0.4 بالمئة عند المقارنة مع توقعاته الصادرة في تشرين الأول لعام 2018.
خطط مقترحة
في بداية 2019، لجأت البنوك المركزية العالمية لتغيير نغمتها المتشددة لتصبح أكثر حذراً مع تأجيل بعض خطط التشديد المقترحة.
وخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي توقعاته بشأن زيادة معدل الفائدة هذا العام إلى الصفر بعد أن كان يتوقع رفعها مرتين مع إعلانه البقاء داخل نطاق سياسة “الصبر مع الترقب”.
ويقوم الفيدرالي بتثبيت معدل الفائدة عند مستوى يتراوح بين 2.25 إلى 2.50 بالمئة هذا العام بعد أن رفعها 9 مرات منذ بدء دورة التشديد النقدي في عام 2015 من بينهم 4 مرات في العام الماضي وحده.
وفي هذا الإطار، لجأ البنك إلى إبطاء وتيرة خفض الميزانية العمومية للفيدرالي بداية من آيار الماضي على أن يتم وقفها نهائياً في شهر أيلول المقبل.
ويأتي قرار الفيدرالي بعد انتقادات عديدة من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسياسة البنك فيما يتعلق برفع معدلات الفائدة مشيراً إلى أنها تضر الاقتصاد.
ولكن تتوقع الأسواق المالية خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعدل الفائدة مرتين بحلول بداية العام المقبل، لدعم النمو وإحباط احتمالات تباطؤ الاقتصاد.
وبالنظر إلى البنك المركزي الأوروبي، فبعد أن كان يلمح لموعد زيادة معدلات الفائدة التي تعد عند مستويات منخفضة تاريخياً تحول نحو تأجيل هذه الخطط.
المركزي الاوروبي
خلال اجتماع المركزي الأوروبي الأخير، تعهد البنك بعدم تغيير سياسته النقدية حتى النصف الأول من عام 2020 على الأقل بعد أن كان ينوي تعديلها بنهاية هذا العام.
وفي الوقت نفسه، طرح رئيس البنك “ماريو دراجي”، والذي يغادر منصبه في وقت لاحق من هذا العام، فكرة خفض معدلات الفائدة بإشارته إلى أن المركزي الأوروبي مستعد لخفض معدلات الفائدة أو تنفيذ تدابير أخرى عند الحاجة.
وفي وقت سابق من هذا العام، أبدى المركزي الأوروبي اعتزامه طرح سلسلة جديدة من عمليات إعادة التمويل طويلة الأجل ورخيصة للبنوك في الفترة من أيلول 2019 وحتى آذار 2020. من جهة أخرى، أبدت الحكومة اليابانية استعدادها لتنفيذ سياسة مرنة حال تصاعد المخاطر الاقتصادية في مسعى للحفاظ على تعافي الاقتصاد.
وعلى صعيد آخر، تحركت البنوك المركزية داخل عدد كبير من الأسواق الناشئة لخفض معدلات الفائدة، وسط مخاوف تتعلق بقوة الاقتصاد العالمي والتوترات التجارية.
في حين يواصل البنك المركزي في تركيا تثبيت معدل الفائدة عند مستوى 24 بالمئة منذ اجتماع أيلول لعام 2018 لكنه أيضاً منفتح على تعديل موقف السياسة النقدية بناءً على البيانات أو المعلومات الجديدة.